ومنها فضْل، به جعلت قرب التصدق؛ لأَنه له بحق التلذذ، لا بحق ما لا بد منه.
وكذلك نوع تقلب الأَحوال في النفس التي هي بحق الضرورة، لم يجعل لمثل ذلك فضل قربة يؤديها سوى ما به حياته. وذلك يجعل بحكم الفرض عليه ولا ندبه.
وكذلك أَمر الصيام: لم يجعل عما لا بد منه للقوة، ولكن فضل قوة في الاحتمال.
لكن الزكاة هي من حقوق ما يجوز أَن يكون هي لغير من عليه، ففرض عليه البذل إلى غيره. وحقوق الأَفعال لا تحتمل أن يصير السبب الذي له به يجب أَن يكون لغيره فيجب عليه؛ فجعل فرض ذلك الفعل في نفسه. وهي تجب للأَحوال لوجهين:
أَحدهما: أَن فيها حقوقًا شائعة، على نحو النفقات، فأخرت هي إلى الحول؛ تخفيفًا، أَو لما هي تجب فيما له حكم الفضل.
والفضل: ما يفضل عن الحاجة. والحاجات تتجدد في أَوقات -لا أَنها تتتابعُ- لا يظهر في مثله الفضل إِلا بمدةٍ بينةٍ أكثرها حول.
ثم فَرضُ الحج جُعِل في العمر مرة؛ لأنه في حق الأَسفار المديدة، التي لا يختار مثلها للذات إلا في النوادر، فلم يوجَب مثلُه إلا خاصًّا؛ فأوجب في جميع العمر مرة.