عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ)، فالمأثم اسم لما تتأذى به النفس، فهو اسم للأمرين: العذاب وما تتألم به، جميعا.
وصرف أهل التأويل الرجز إلى المأثم هاهنا.
وذكر قتادة أنه كان بمكة صنمان: إساف، ونائلة، فكان من أتى عليهما من المشركين مسح وجوههما، فأمر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - نبيه - ﷺ - يعتزلهما بقوله: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ).
وقيل - أيضا -: بأن المشركين قالوا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: لو مسحت وجوههما، لكنا نؤمن لك ونتبعك؛ فأنزل اللَّه تعالى: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)، أي: فاهجر عبادة الأوثان.
وقيل: الرجز: العذاب.
فجملته ترجع إلى ما ذكرنا: أنه اسم للعذاب، ولما يعذب عليه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦):
قال مجاهد والحسن: تأويله: ألا تستكثر عملك، فتمن به على ربك؛ على التقديم والتأخير.
فإن كان التأويل هذا، فالمراد من الخطاب غير رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وإن كان هو المذكور في الخطاب؛ إذ لا يتوهم أن يكون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يمن على ربه، ولا أن يستكثر عمله لله تعالى؛ لأن هذا النوع من الصنيع لا يفعله واحد من العوام الذي خُصَّ بأدنى خير؛ فكيف يتوهم على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؟!
ولأن الامتنان على اللَّه تعالى من فعل المنافقين؛ قال اللَّه تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ).
ويجوز أن يكون الخطاب له، وإن كان هو معصوما من ذلك؛ لقوله: (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ)، ونحوه، وهذا كما ذكرنا أن العصمة لا تمنع وقوع النهي؛ إذ العصمة لا ينتفع بها إلا مع ثبات النهي، فإذا لم يكن فلا فائدة في العصمة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)، أي: لا تعطيه عطية تلتمس بها أفضل منها في