الدنيا من الثواب، نهى عن اكتساب الأسباب التي يتوصل بها إلى استكثار المال في الدنيا من التجارة وغيرها، إلا القدر الذي لا بد له منه، وتقع إليه الحاجة؛ ألا ترى إلى قوله: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ)، فإذا نهى عن مد عينيه إلى ما متعوا؛ ففي اكتساب أسباب المال أحق؛ ثبت أن اللَّه تعالى نهاه عن اكتساب ذلك وجمعه، وجعل رزقه - عليه السلام - من الوجه الذي لا يبلغه حيل البشر، وهو الفيء والغنيمة، ثم نهى عن إمساكه وادخاره لنفسه؛ بل أمر أن يصرفه في أمته بقوله - عليه السلام -: " ما لي من هذا المال إلا الخمس، والخمس مردود فيكم " وقال اللَّه - عز وجل -: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى...) الآية، وذكر أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان لا يدخر لغد، وقال تعالى: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (١٩٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ)؛ فثبت أنه كان منهيا عن اكتساب الأسباب التي يتوصل بها إلى اكتساب الأموال، وإلى الجمع؛ فنهي عن العطايا التي يلتمس بها أفضل منها في الدنيا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧):
في هذا دعاء إلى إخلاص الصبر لله تعالى، وإلى الصدق فيه.
وفي قوله - عزَّ وجلَّ -: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ)، دعاء إلى نفس الصبر.
وجائز أن يكون هذا - أيضا - على الأمر بالصبر؛ فيكون على التقديم والتأخير؛ كأنه يقول: فاصبر لربك، أي: اصبر على ما تؤذى، ولا تجازهم بصنيعهم؛ فإن اللَّه تعالى يكفيهم؛ فيكون في هذا إبانة أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قد امتحن بالأمور التي تكرهها نفسه، وتشتد عليها؛ فدعاه اللَّه تعالى إلى الصبر على تحمل المكاره، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (١٢) وَبَنِينَ شُهُودًا (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (٢٧) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ