هذا كله؛ قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)، فندبهم إلى الإيمان بعدما آمنوا، وما ذلك إلا الثبات على ما هم عليه، وقال: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، وهو الإيمان، وقال في آية أخرى: (لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا)، فجعل دوامهم على الإيمان واستقامتهم عليه إيمانا.
وقال تعالى: (زَادَتْهُمْ إِيمَانًا)، قال أبو داود: إيمانا مع إيمانهم فأطلق فيه اسم الزيادة، واسم الثبات، واسم الإيمان.
وإن كانت الزيادة منصرفة إلى الأعمال، فهو عندنا على الزيادة من جهة الفضيلة والكمال، لا إلى الزيادة في عينه؛ لأن الشيء إذا استحق الزيادة بغيره فاستحقاقه يقع من جهة الفضيلة والكمال؛ ألا ترى إلى قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام " ومعلوم أنه لم يرد به التفاضل من جهة العدد؛ إذ هو يأتي بأعين الأفعال التي يلزمه إتيانها في غير ذلك؛ فكانت الزيادة منصرفة إلى الكمال والفضل، لا إلى الزيادة من جهة العدد.
وكذلك قال: " صلاة في جماعة تفضل على صلاة المرء وحده بخمس وعشرين درجة "، ولم يرد به الزيادة من جهة العدد؛ وإنما أريد به الزيادة من جهة الفضل والشرف والكمال، وكذلك الزيادة التي تقع للإيمان من الأعمال الصالحة، إنما هي من جهة الفضيلة والشرف؛ إذ الأعمال ليست من جنس الإيمان؛ إذ الإيمان هو التصديق، وذلك غير موجود في الأفعال؛ فثبت أن زيادته من الوجه الذي ذكرنا دون غيره.
وقوله - تعالى -: (وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا):
في هذا الفصل كلام بيننا وبين المعتزلة، فهم يزعمون أن تلك العدة -وهي عدة الملائكة- جعلت محنة لأهل الإسلام، وأهل الكتاب، وأهل الكفر، وللذين في قلوبهم مرض؛ ليؤمنوا بها، ويستسلموا لها لا ليكفر بها من كفر، ويقول: (مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا


الصفحة التالية
Icon