أن يستحق اسم البر والتقوى، فإنما صار إلى الفجور وإلى أنواع الشرور بسلوكه ذلك السبيل، وصار مريدا من هذه الجهة.
ثم قوله: (أَمَامَهُ)، يحتمل وجهين:
أحدهما: فيما بقي من عمره؛ لأنه يترك الاستهداء والاسترشاد، ويمضي على العادة التي عود نفسه على ذلك من الشرور والضلال.
ويحتمل أن يكون الأمام هو يوم القيامة، ثم قال في موضع: (وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا)، بعد ذكر ذلك اليوم بالأمام والوراء جميعا؛ فيكون قوله: (وَرَاءَهُمْ)، أي: وراء الأوقات التي خلت ومضت؛ فعلى اعتبار الإضافة إلى الأوقات الماضية يكون يوم القيامة وراءها، وعلى اعتبار الإضافة إلى ذلك الفاجر يكون أماما؛ لأنه يكون أمام هذا الفاجر؛ فكذلك استقام الوصف بالأمام والوراء جميعا.
ثم ذكر الفجور، ولم يذكر الكفر وإن كان الإنسان الذي يريد أن يفجر أمامه كافرًا؛ لأن في ذكر الفجور تعييرًا وتشيينًا؛ إذ هو اسم للتعيير خاصة، وليس في نفس الكفر تعيير؛ إذ كل أحد -مؤمنا كان أو كافرا- مؤمن بشيء كافر بشيء، فالكافر من حيث اسمه لم يصر قبيحا؛ بل بمعناه ما قبح؛ فكان الفجور أبلغ في التعيير من الكفر؛ فسمي به، واللَّه أعلم.
وقال أبو بكر: معنى قوله: (يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ)، أي: يريد أن يعاين يوم القيامة، ويعلم به أنه متى هو؟ تفسيره على أثره.
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (٦) أي: يريد أن يعلمه بسؤاله متى هو؟ فأخبر أنها تقوم إذا (بَرِقَ الْبَصَرُ)، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) سؤاله هذا سؤال تعنت واستهزاء؛ لما ذكرنا أنه ليس في تعرف وقت كونه مزجر ولا مرغب، وإنَّمَا يقع الزجر والرغبة بتذكير الأحوال التي تكون في ذلك اليوم؛ فلذلك ذكر الأحوال التي تكون في ذلك اليوم، ولم يوقفهم على ذلك الوقت متى يكون؟ إذ ليس في معرفة وقته كثير حكم، فيجيبهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بجواب الحكماء، لا أن يجيبهم بجواب مثلهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧):
قيل: دهش وتحير، ثم اختلف بعد هذا:


الصفحة التالية
Icon