ويحتمل أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَلَيْنَا بَيَانَهُ) أي: بيان ما هو بحق الكنايات والنتائج منها، ما هو بحق الأصول والفروع، وما هو بحق المقصود، فبين لرسوله - عليه السلام - معنى الأصول والكنايات؛ ليتعرف به فروعها ونتائجها، ويبين لمن بعده ممن جاهد في اللَّه حق جهاده، ويهديه لذلك، قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).
أو يكون قوله: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) في أن نحفظك ونعصمك من الناس؛ لتمكن من تبليغ ما أنزل إليك إلى الخلق، وتبين لهم، واللَّه أعلم.
ووجه آخر: أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بعث إلى كل من كان شاهدا من الخلائق إلى يوم التناد، ثم لم يمكن من تبليغ الرسالة إلى كل أحد مما ذكرنا بنفسه؛ فكأنه ضمن عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - التبليغ إلى الخلائق كافة بما شاء - جل جلاله - بتسخير الرواة والحفاظ والعلماء ليبلغوا عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ما أدى إليهم.
أو يكون قوله: (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)، أي: بيان المحق من المبطل، والولي من العدو، وذلك يكون يوم القيامة؛ فيعرف الأولياء بما يجنون من الكرامات، ويبين للأعداء والمبطلين ما يحل بهم من الحساب وأنواع العذاب.
* * *
قوله تعالى: (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ).
فقوله: (كَلَّا) ردع ومنع عما سبق منهم.
وفي قوله: (بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ) إبانة أن الذي حملهم على ما هم فيه من الحسبان: أن العظام لا تجمع، وأن البعث ليس بشيء - حبهم العاجلة، وذلك أنهم أولعوا بالعاجلة، وأحبوها حبا أنساهم عن الإيمان بالآخرة، أو عن النظر في الحجج والبراهين التي لو أمعنوا النظر فيها أدتهم إلى القول بالبعث، وحتى صاروا إلى ألا يرجوا الآخرة كقوله: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا...) الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (٢٥):