نُخْلِفُهُ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤) ذلك اللعين قد علم أنه ليس برب السماء والأرض، ولكن قد اتخذ لقومه أصناما فأمر العوام منهم أن يعبدوها؛ ليقربهم ذلك إليه، لكن إذا صاروا من خاصته أذن لهم بأن يعبدوه، وأمر الخواص منهم بعبادته، فسمى نفسه: أعلى الأرباب؛ لهذا.
وقوله: (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥) منهم من يقول: أخذه بعقوبة الكلمتين جميعا: الكلمة الأولى: قوله: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)، والكلمة الثانية: قوله: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى).
ومنهم من يقول: أخذه بعقوبة ما تقدم من الإجرام وما تأخر إلى أن غرق.
ومنهم من يقول: أخذه بالعقوبة في الدنيا والآخرة، فغرقه في الدنيا، وعذب روحه بعد مماته بقوله: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا)، ويدخل في النار مع أتباعه بقوله: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)؛ فاتصلت عقوبة الدنيا بعقوبة الآخرة.
وقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٢٦):
وفي ذلك كله عبرة، لكن الذي يعتبر بها من يخشى العواقب، ويخاف عقوبة اللَّه تعالى.
وقوله: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧)
جائز أن يكون هذا صلة قوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ)؛ فيكون في قوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ).
وفي قوله: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا) تقرير له أيضا.
ثم قوله: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ) يحتمل أوجها:
أحدها: أن إعادتهم خلقا جديدا وبعثهم أيسر في عقول منكري البعث من خلق السماوات، وقد أقروا أنه خالق السماء، فإذا لم يتعذر عليه خلق السماء، وإن كان خلقها أشد في عقولهم من خلق أمثالهم، فما بالهم ينكرون بعثهم وإعادتهم إلى ما كانوا عليه،


الصفحة التالية
Icon