وأجابت إلى ما دعيت إليه.
ثم المراد من الإذن مختلف؛ فحقه أن يصرف كل شيء إلى ما هو الأولى به؛ ألا ترى أنك إذا قلت: " أذن الرجل لعبده في التجارة "، فلست تريد بقولك: " أذن "، ما تريد به إذا أذنت لغيرك أن يتناول من طعامك، بل تريد بالإذن للعبد الأمر بأن يتجر، حتى لو لم يفعل، تلومه على ذلك، وتريد بالآخر إباحة التناول؛ قال اللَّه - تعالى -: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)، وقال في موضع آخر: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)، فكان المراد من الإذنين مختلفا؛ فثبت أن حقه أن نحمله إلى ما إليه أوجَهُ، وهو إلى الطاعة والإجابة هاهنا أوجه؛ لذلك حملوه عليه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَحُقَّتْ)، أي: حق لها أن تسمع وتطيع.
وجائز أن تكون الإجابة منصرفة إلى أهلها، ثم نسب إليها ذلك وإن كان المراد منه الأهل؛ كقوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا)، ولا يوجد من القرية عتو، وإنَّمَا يوجد من أهلها، فإن كان كذلك، ففيه أنه لا يتخلف أحد من الإجابة إلى ما دعاه إليه الرب - تعالى - خلافا على ما كانوا عليه من الدنيا، فإن كثيرا من أهل الدنيا، أعرضوا عن طاعته، واشتغلوا بمعصيته.
ثم الإجابة والطاعة والطوع والكره، ومثل هذه الأوصاف إذا أضيقت إلى من هو من أهل الاختيار، فهي على الطوع المعروف والإجابة المعروفة، وإذا أضيفت إلى من ليس هو من أهل الاختيار فهو على تغيير الهيئة؛ على ما عليه الخلقة، نحو الأرض توصف بالحياة؛ إذا أنبتت، وتوصف بالموت؛ إذا يبس ما عليها، وصارت متهشمة؛ فيراد بها: أنها صارت بهيئة لو وجدت تلك الهيئة في الروحانيين لصار أحدهما علما لحياته، والآخر علما لوفاته، وقال - تعالى -: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ)، وقوله - تعالى -: (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)


الصفحة التالية
Icon