وجائز أن يكون حظر عليه الإبدال إذا قصد بالطلاق قصد الإبدال بما أعجبه من الحسن؛ كما قال: (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ...) الآية، فإذا كان قصده من الطلاق الإبدال، كان ذلك محظورا عليه، وإذا لم يقصد بالطلاق قصد الإبدال، ولكن يقصد به قصد المجازاة للخلاف الذي ظهر، أبيح له ذلك، ثم اللَّه تعالى يبدله خيرا من المطلقة وهو ليس يقصد بالطلاق في قوله: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ) قصد الإبدال، وإذا كان كذلك، سلمت الآيتان عن التناقض.
وذكر عن أُبي بن كعب - رضي اللَّه تعالى عنه - أنه سئل: أكان يحل لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إبدال امرأة بامرأة؟ فقال: بلى، فسئل عن قوله تعالى: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ)، فقال: هذا منصرف إلى من هن من وراء المسميات؛ وهو كقوله تعالى: (وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ...) إلى قوله: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ)، فذكر بنات العم وبنات الخال والأجنبيات، وحظر عليه من سواهن من المحارم، فيكون فيه إبانة أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قد كان حظر عليه تزوج محارمه من ذوي الرحم كما حظر على غيره؛ إذ هو موضع الإشكال: أنه لما حل له زيادة على الأربع، يحل له ذوات الأرحام من المحارم، فزال الإشكال به.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (خَيْرًا مِنْكُنَّ).
فجائز أن يكون خيرا منهن للرسول - عليه السلام - لا أن يكن خيرا في أنفسهن؛ لأنه قال: (مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ)، وقد كان أزواجه على هذا الوجه: (مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ)؛ ألا ترى إلى ما ذكر أن جبريل - عليه السلام - قال لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: راجع حفصة؛ فإنها صوامة قوامة، والذي يدل على هذا أيضًا في آخر هذه الآية: (ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) وقد وجدت هاتان الصفتان في أزواجه؛ فثبت أن معناه ما ذكرنا.
وجائز أن يكن خيرا منهن أيضًا في أنفسهن من حيث الجمال والنسب، ونحو ذلك.
أو يصرف (خَيْرًا مِنْكُنَّ) لما يتركن الخلاف لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ولا يتظاهرن عليه، ويكن هَؤُلَاءِ دونهن إذا التزمن الخلاف، ودُمْنَ على التظاهر، فأما إذا أمسكن عن الخلاف وتُبْنَ عما سبق من الخلاف فهن وغيرهن بمحل واحد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ).


الصفحة التالية
Icon