واصطلاح منهما جميعًا.
وفي الآية دلالة: أن الحق: هو القصاص، لا غير، بقوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ) وأخبر أن المكتوب عليه والمحكوم القصاص، فلو كان الخيار بين القصاص والعفو وأخذ الدية -شاء أو أبى- لكن لا يكون مكتوبًا عليه القصاص، ويذهب فائدة قوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ) وإنما كان يكون عليه أحدهما، كما لا يقال في الكفارة: بأن المكتوب عليه العتق، بل أحد الثلاثة. فلما قال: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ) دل أن أخذ الدية كان كالخلف عنه.
وما رُويَ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حيث قال لولي القتيل: " أتعفو عنه "؟ قال: " لا ". فقال: " أتأخذ الدية "؟ قال: " لا ". إنما عرض عليه الدية، لما علم أن القاتل يرضى بذلك، على ما روي أن امرأة جاءت إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته بغض زوجها. فقال لها: " أتردين عليه حديقته؟ " قالت: نعم، وزيادة. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أما الزيادة فلا " وإنَّمَا قال لها ذلك لما علم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه يرضى بطلاقها إذا ردت عليه حديقته؛ فعلى ذلك الأول.
ولو كانت لفظة " العفو " تعبر عن إلزام الدية ما أحوجه إلى ذكر الإشارة إلى العفو مرة، وإلى أخذ الدية ثانيًا؛ فثبت أن ليس للذي يعفو أن يأخذ الدية بالعفو.
وقيل في قوله: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ): أصلها أنها نزلت في دم بين نفر يعفو أحدهم عن القاتل، ويتبع الآخرون بالمعروف في نصيبهم؛ لأنه ذكر " الشيء "، والشيء: هو العفو عن بعض الحق. فألزم الاتباع للآخرين عند عفو بعض حقه؛ ثبت أن العفو لا يلزم الدية.
ورُويَ عن عمر وعبد اللَّه بن مسعود وعبد اللَّه بن عَبَّاسٍ، رضيَ اللَّهُ تعالى عنهم، أنهم أوجبوا في بعض عفو الأولياء، للذين لم يعفوا - الدية، على ترك السؤال عمن عفا عنك عفوت بدية، ولو كان ثم حق ذكروه له؛ فدل أن العفو لا يوجب الدية.