وإنما كلفنا ما أبقى فرضه، وهو صيام الشهر الذي لم يختلف في ذلك.
ثم قد خاطب جل ثناؤه بالصيام من قد آمن بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فكان فيما خاطب وجهان:
أحدهما: أنه خاطب المؤمنين فعرف المخاطبون أن الاسم يذكرهم؛ إذ لم يذكر عن أحد أنه ظن خروجه من حكم الآية، من حيث لم يكن وفاء بما به يستحق الاسم، وكذلك سائر عبادات الأفعال.
وهذا من أوضح ما يجب به العلم أن الإيمان ليس باسم لجميع القرب، بل تحقيقه يصير أفعال القرب قربًا.
وفيه إذ لم يقل: يا أيها الذين، قلتم: نحن مؤمنون به صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، دلالة ظاهرة على هجر هذا القول، وأنه من تلقين الشيطان ليبطل عليهم عقدهم، كما يبطل كل عقد يستعمله فيه صاحبه مما أراد إلزامه العقد. واللَّه أعلم.
والثاني: أن اللَّه تعالى خص بالعبادات المؤمنين، وأنهن لا يلزمن غيرهم وإنما يلزم غيرهم فيها الاعتقاد، لا الأفعال التي هي تقوم بالاعتقاد، وليس الاعتقاد بواجب لمكان تلك الأفعال حتى تكون كالأسباب التي توجب بإيجاب أفعال بها تقوم، بل له أوجب غيره.
ألا ترى أنه لا يجوز أن يرتفع ذلك عن الخلائق بحال من الأحوال في الدنيا والآخرة مع ارتفاع غير ذلك من العبادات؛ ثبت أن الأمر بذلك بحيث نفسه، لا لغيره.
ثم لا قيام لغيره مع عدمه؛ ثبت أن المعنى الذي به يصير المرء أهلًا لاحتمال فعل العبادات، لذلك لا يجوز الأمر بشيء منها دون ذلك. وله وجهان يحيلان الأمر أيضًا: أحدهما: العقل، أنه من البعيد أن يكون من لم يقبل العبودية، ولا أقر بالرسالة تؤمر بالعبادة وباتباع الرسول بحق الرسالة، بل يقول: ألزمونا الأول، حتى يكون الثاني، وهو كما أحال الناس المناظرة في الرسل مع منكري الصانع والمرسل، فمثله الأول، بل يجب كل قربة به؛ إذ لا يكون إلا به. واللَّه أعلم.
والثاني: القول بأن من أسلم بعد أوقات العبادات لا يلزمه القضاء. ثم لذلك وجهان من المعتبر:
أحدهما: بأنهم إذا لم يدخلوا في خطاب القضاء، بما ليس معهم في الحال ما يحتمل معه القضاء، فكذلك خطاب الابتداء؛ إذ هو الذي به لزم القضاء في الإسلام. والله