ويكون قوله: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا)، أي: كلوا واشربوا واحفظوا الحدّ في ذلك ولا تجاوزوه، وهو نهي عن الكثرة.
أو ما ذكرنا أنه نهاهم عن التحريم وترك الانتفاع بها، وفي تحريم ما أحل اللَّه وترك الانتفاع بها إسراف.
(إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)؛ لأنه لا يحب الإسراف، وقد ذكرنا أن المفروض من الستر هو ما يستر به العورة، وأما غيره فإنما هو على دفع الأذى والتجمل.
ألا ترى أنه قال: (يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)، وقال: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ)، منَّ علينا بما أنزل مما نستر به عوراتنا، وإن كانت له المنة في الكل، وذلك -أيضًا- قبيح في الطبع أن ينظر أحد إلى عورة آخر، وعلى ذلك جاءت الآثار في الأمر بستر العورة، روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " احفظ عورتك، إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك "، فقيل: يا رسول اللَّه؛ فإن كان بعضنا في بعض؟، فقال: " إن استطعت ألا تظهر عورتك فافعل ". فقيل: فإذا كان أحدنا خاليًا، فقال: " فاللَّه أحق أن يُسْتَحْيا منه ".
وعنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة "، ومثله كثير، وفيما ذكرنا كفاية؛ وعلى ذلك يخرج الأمر بالإخبار بستر العورة؛ ألا ترى أنه قال - تعالى -: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ.....) الآية، لئلا تُرَى عورته؛ لأنه يكون جفاء.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ... (٣٢)


الصفحة التالية
Icon