كانوا يعملون؛ لأنهم عملوا لغير اللَّه، فلا يجزون في الآخرة بأعمالهم تلك، وإلى هذا يذهب ابن عَبَّاسٍ.
وروي في بعض الأخبار أن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - سئل: ما بال العبد المعروف بالخير يشدد عليه عند الموت، والرجل المعروف بالشر يهون عليه الموت؟! فقال: " المؤمن تكون له ذنوب فيجازى بها عند موته، فيفضي إلى اللَّه في الآخرة ولا ذنب عليه، والكافر يكون له الحسنات فيجازى بها عند الموت يخفف عنه بها كرب الموت، ثم يفضي إلى الآخرة وليست له حسنة " أو كلام نحوه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الآية في أهل الكفر يعملون أعمالا هي في الظاهر صالحة؛ نحو: التصدق على الفقراء وعمارات الطرق واتخاذ القناطر والرباطات هي في الظاهر صالحة، يقول: نوف لهم جزاء أعمالهم التي عملوها في الدنيا لا ننقص منها شيثًا فهو ما وسع عليهم الدنيا.
وجائِز أن يكون قوله: (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ) أي: نرد إليهم أعمالهم التي عملوها فلا نقبلها ويكون إيفاء أعمالهم الرد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ) أي: لا ينقصون ما قدر لهم من الرزق إلى انقضاء مدتهم وآجالهم بشركهم باللَّه.
وقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٦) على هذا التأويل أظاهر ليس لأهل الكفر في الآخرة إلا النار، وعلى التأويل الذي قال: إنها في أهل الإيمان، أي: لا يستوجبون بتلك الأعمال التي عملوها مراءاة إلا النار؛ لأنه إذا راءى فيها لم يخلصها لله وضيع أمره، وكل من ضيع أمر اللَّه وفريضته يستوجب التعذيب عليه وله العفو، وليس في الآية أنه لا محالة يعذبهم بعملهم المراءاة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ) فيه دلالة نقض قول الجهمية والمعتزلة بنفيهم العلم عن اللَّه، وفي الآية إئبات العلم له بقوله: (أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (١٧)
وقوله: (أَفَمَن) حرف يقتضي الجواب لكن الجواب له لم يخرج في الظاهر؛ لأن