وفيه نقض قول من يقول: إن من كذب متعمدا أو وعد فأخلف أو اؤتمن فخان يصير منافقًا؛ لأن إخوة يوسف اؤتمنوا فخانوا، ووعدوا فأخلفوا، وحدثوا فكذبوا، فلم يصيروا منافقين؛ لأنهم قالوا: أكله الذئب، ولم يأكله، وهو كذب، واؤتمنوا، فخانوا حين ألقوه في الجب، ووعدوا أنهم يحفظونه، ولم يحفظوه.
فَإِنْ قِيلَ: روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " ثلاث من علامات النفاق: من إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف، " فكيف يوفق بين الآية والخير؟! إذ هو لا يحتمل النسخ؛ لأنه خبر، والخبر لا يحتمل النسخ.
قيل يشبه أن يكون هذا في قوم خاص من الكفرة اؤتمنوا بما أودع في التوراة من نعت مُحَمَّد، فغيروه، ووعدوا أن يبينوه، فأخلفوا وكتموه، وحدثوا أنهم بينوه، فكذبوا، أو يصير منافقًا بما ذكر، إذا كان ذلك في أمر الدِّين، وأما في غيره: فإنه لا يصير به منافقًا، ولا يكون ذلك من أعلام المنافق، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (١٧)
هذا القول منهم له في الظاهر عظيم؛ لأنهم قالوا: (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)، ولا يحتمل أن يكونوا عنده صدقة ثم يكذبهم، يكون نبي من الأنبياء يعلم صدق إنسان ثم لا يصدقه؛ هذا بعيد، لكن يحتمل قولهم: وما أنت بمؤمن لنا في هذا ولو كنا صادقين عندك من قبل في غير هذا.
أو يكون قوله: (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا)، أي: تتهمنا ولا تصدقنا؛ لأنه اتهمهم؛ حيث قال: (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) فاعترضت له التهمة، وليس في الاتهام تكذيب؛ إنما فيه الوقف؛ لأن من اشْمن آخر في شيء ثم اتهمه فيه، لا يكون في اتهامه إياه تكذيبه؛ فعلى ذلك قولهم: (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا)، أي: تتهمنا لما سبقت من التهمة ولو كنا صادقين


الصفحة التالية
Icon