عن المعاودة؛ لذلك افترقا.
وفي قوله: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) دلالة على أن النفي ليس من عذاب الزانيين ولا من عقوبتهما؛ لأنه قال: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، والنفي مما لا يحتمل أن يؤمر بشهوده؛ لأنه لا يمكن؛ فدل أنه ليس من عذابهما.
ويدل عليه -أيضًا- قوله: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)؛ لأنهم أجمعوا على أن لا نفي على الإماء إذا زنين، وقد أوجب عليهن إذا زنين: نصف ما على المحصنات.
أو إن ثبت النفي فهو يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه أراد به قطع الشَّين الذي لحقهما بفعل الزنا؛ لأنه ليس جرم من الإجرام أكثر شينا وأشد من فعل الزنا؛ فأراد أن ينقطع ذلك من بين الناس.
أو أن يكون أراد به قطع الشهوة، التي حملتهم على الزنا: بذل السفر وذلة الغربة.
أو صار منسوخًا لما شدد في الضرب بقوله: (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ)، وفيما ذكر النفي، لم يذكر فيه الشدة؛ إنما ذكر فيه الجلد فحسب بقوله - عليه السلام -: " أما على ابنك هذا جلد مائة وتغريب عام "؛ فجائز أن يكون الضرب كان بالتخفيف وفيه نفي، فلما شدد في الضرب ارتفع النفي، وقد جاء عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه نفى رجلا فارتد عن الإسلام ولحق بالروم؛ فقال: كفى بالنفي فتنةً، وقال: لا أنفي بعد هذا أبدًا. وكذلك روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - واللَّه أعلم.
وقوله: (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: لا تأخذكم بهما رأفة في تخفيفها؛ فهو - واللَّه أعلم - لأنه من أعظم الإجرام في الشين.
ثم للمعتزلة تعلقٌ بظاهر قوله: (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ)؛ قالوا: إن اللَّه وصف نفسه بالرحمة بقوله: (رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، ووصف المؤمنين بالرحمة فيما


الصفحة التالية
Icon