أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (٨) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠)
وقوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ).
ذكر الرمي ولم يذكر بم؟ فيعرف ذلك بالنازلة، ولقوله: (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)، وذكر الأربعة الشهود، والزنا هو المخصوص بالشهود الأربعة دون غيره من الإجرام؛ فدل ذكر ذلك على أثر ذلك على أن الرمي المذكور فيه هو الزنا.
ثم قوله: (الْمُحْصَنَاتِ): هن الحرائر في هذا الموضع لا العفائف؛ لأن قاذف الأمة يلزمه التعزير؛ ألا ترى أنه قال: (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ...) الآية؛ وألا ترى أنه أوجب على الإماء نصف ما على المحصنات وهن الحرائر.
ولأنا لو جعلنا (الْمُحْصَنَاتِ) عبارة وكناية عن العفائف دون الحرائر لأسقطنا شهادة الشهود؛ لأن العفة تكذبها.
وكذلك يدل قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ): عبارة عن العفائف؛ فدل أن المحصنات عبارة عن الحرائر، ثم أدخل المحصنين في حكم هذه الآية في الرمي والقذف وغيره، وإن لم يذكروا في الآية.
ثم شدد اللَّه - تعالى - في الزنا وغلظ في أمره ما لم يشدد ولم يغلظ في غيره من الإجرام مثله:
منها: ما نهى عن تعطيل الحد فيه وإضاعته وتخفيفه؛ حيث قال: (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ).
ومنها: ما أمر برجمه إذا كان محصنًا مثل ما يرجم الكلب ويقتل بالحجارة.
ومنها: ما أوجب على الرامي به من الحد إذا لم يأت بأربعة شهداء.
والزنا بهذا كله مخصوص من بين غيره من الإجرام؛ وذلك - واللَّه أعلم - لقبحه في العقل والطبع جميعًا، وكذلك في الشرع.
والدليل أنه قبيح في الطبع والعقل جميعًا ما ينفر عنه طبع كل مسلم وينفر عنه كل عقل