وقَالَ بَعْضُهُمْ: كان سبأ رجلا اسمه: سبأ، وسبأ هم الذين ذكرهم اللَّه في سورة النمل.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو اسم قرية.
وفي قوله: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) دلالة خلق الأفعال؛ لأنه أخبر أنه جعل بينهم وبين القرى المباركة قرى ظاهرة، والقرى: ما اتخذها أهلها، ثم أخبر أنه جعل ذلك، والجعل منه خلق؛ دل أنه خلق أفعال العباد، وأخبر -أيضًا- أنه قدر السير فيها، والسير هو فعل العباد، والتقدير هو الخلق أيضًا؛ دل أنه خلق سيرهم، وخلق اتخاذهم القرى، وذلك على المعتزلة؛ لإنكارهم خلق أفعال العباد.
وقوله: (قُرًى ظَاهِرَةً)، قال عامة أهل التأويل: قرى متواصلة بعضها ببعض، يسيرون من قرية: إلى قرية، وينزلون فيها من غير أن تقع لهم الحاجة أو يلحقهم مؤنة.
وجائز أن يكَون قوله: (قُرًى ظَاهِرَةً) نعمها بينة.
وقوله: (وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ)، يحتمل قوله: (وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ)، أي: قدرنا فيها السير؛ لتسيروا فيها.
أو على الأمر، أي: قدرنا فيها السير، وقلنا لهم: سيروا فيما أنعم اللَّه عليكم، وتقلبوا فيها ليالي وأيامًا آمنين من الجوع والعدو وكل آفة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله: (وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ) أي: جعلنا ما بين القرية والقرية مقدارًا واحدًا.
وقوله: (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩) فيه لغات من خمسة أوجه:
أحدها: (رَبَّنَا بَاعِدْ).
والثاني: (بَعِّدْ)، كلاهما على الدعاء والسؤال.
والثالث والرابع: (بَعُدَ) و (بَعَّدَ).
قال أبو معاذ: ولولا تغيير الكتابة لكان يجوز " بُوعِدَ ".
ومن قرأه (رَبَّنَا بَاعَدَ) على الخبر، وكذلك (بَعَّدَ)، ومن قرأه (بَعُدَ بين أسفارنا).
يخرج على الشكاية عما بعد من أسفارهم.


الصفحة التالية
Icon