والعلم؛ لأنه إذا كان له ألا يعلم إلا بالأجر كان له ألا يعلم بكل أجر، ففي ذلك إبطال الدِّين وجعل الرخصة لهم في ترك ذلك، وذلك سمج قبيح، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢)
يخرج على وجهين:
أحدهما: على الاحتجاج عليهم بعد سؤال كان من أُولَئِكَ له في الرجوع إلى عبادة من يعبدونه دون اللَّه وترك عبادة اللَّه، فقال: إنكم تعبدون هذه الأصنام رجاء أن يقربكم ذلك إلى اللَّه زلفى، وما لي لا أعبد الذي ترجون أنتم الزلفى والقربة منه؟! والثاني: على التذكير والتنبيه لهم: أنتم تعلمون أن الذي فطرنا وخلقنا هو المستحق للعبادة لا من لم يفطر ولم يخلق، ثم تعلمون أن اللَّه هو فطرنا وخلقنا لا الأصنام التي تعبدونها، وما لي لا أعبد الذي فطرنا وأترك الذي لم يفطرنا؟! واللَّه أعلم.
وقوله: (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (٢٣)
يقول: أأتخذ من دون اللَّه معبودا لو أراد اللَّه بي ضرا لم يملك ذلك المعبود دفع ذلك عني، ولو نزل بي شدة أو بلاء منه، لم يقدر استنقاذي منه، ولو طلبت منه جر نفع لم يقدر على جلبه إليَّ، وأترك عبادة من أعلم أن ذلك كله منه، وهو المالك لذلك كله: من جر نفع، ودفع ضر وبلاء، وفي الحكمة: العبادة لمن يملك ذلك كله لا لمن لا يملك، وباللَّه التوفيق.
وقوله: (إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٤)
أي: لو فعلت ذلك فإذن كنت في ضلال مبين، فذكر أنه لما قال لهم ذلك أمر بقتله، فعند ذلك قال: (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) يحتمل قوله: (فَاسْمَعُونِ) أي: أجيبوني في قولي: (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ...) الآية.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فَاسْمَعُونِ)، أي: اشهدوا لي.
ويحتمل قوله: (فَاسْمَعُونِ) حقيقة السماع، أي: اسمعوا قولي وإيماني، لا يمنعني عنه ما تخوفونني، واللَّه أعلم.
وقوله: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ... (٢٦)