ويتكلم، فحيثما جعل ذلك المعنى واللطف نطق وتكلم؛ وكذلك السمع والبصر وكل جارحة منه من اليد والرجل وغيره جعل لطفًا ومعنى به يسمع السمع، وبه يبصر البصر، وبه تأخذ وتقبض اليد، وبه تمسْي وتذهب الرجل، فأينما جعل ذلك اللطف وذلك المعنى كان منه ذلك ما كادْ من السمع والبصر وغيره؛ وكذلك الأطعمة والمياه ليس الغذاء في عينها، ولكن في لطف جعل اللَّه فيها لطفًا ومعنى يصير ذلك غذاء لهم؛ ألا ترى أن عين الطعام تبقى فيرمى به وينتفع بما فيه من الغذاء؟! واللَّه أعلم.
وقوله: (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦)
قال بعض أهل التأويل: لو نشاء لطمسنا أعين الضُّلَّال، فاستبقوا فلم يبصروا الطريق، فأنى يبصرون وقد فقأنا أعينهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لو نشاء لحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى، فلو طمست: أي: حولت عن الكفر - لاستبقوا الصراط، يقول: لأبصروا طريق الهدى، ثم قال: (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) يقول: فمن أين يبصرون الهدى إن لم أعم عليهم طريق الكفرة؟!
(وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ... (٦٧)
أي: لأقعدناهم على أرجلهم لا يتقدمون ولا يتأخرون.
ويشبه أن يكون على خلاف هذا على التمثيل؛ يقول - واللَّه أعلم -: لو طمسنا أعينهم وأعميناهم فاستبقوا الطريق (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ)، أي: لا يبصرون الطريق؛ فعلى هذا إذا طمسنا أعين القلوب فأعميناها، فأنى يبصرون الهدى، أي: لا يبصرون.
(وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ).
يقول ذلك - واللَّه أعلم - على التمثيل، أي: لو حولنا ظاهر خلقتهم وصيرناها خنازير وقردة حتى ذهبنا بمنافع أنفسهم ظاهرة، فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون؛ فعلى ذلك إذا مسخنا قلوبهم وحولناها عن مكانها ما انتفعوا بها كما لم ينتفعوا بظواهر جواهرهم، على التمثيل لا على التحقيق.
وفي قوله: (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ)، (وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ) ودلالة أن لله في ذلك صنعًا؛ إذ لو لم يكن له فيما يختارون من الأفعال والأعمال صنع، لم يكن لتوعدهم على إذهاب ذلك وتحويله عن مكانه معنى، فدل أن له صنعًا في ذلك وفعلا.
قال الحسن وقتادة في قوله: (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ) فتركناهم عميا يترددون