سلمًا لله، خالصًا له، وبين من لم يفعل ذلك - لكان في ذلك استواء بين من ذكر، وفي
الحكمة أن لا استواء بينهما، وقد يموت السالم نفسه لله، ويموت الآخر دل أن في ذلك بعثًا، يثاب هذا، ويعاقب الآخر، واللَّه أعلم.
أو أن يذكر هذا؛ لما كانوا يتشاءمون برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ويتطيرون فيما يصيبهم من المصائب والشدائد، حتى قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ)، أي: لا يخلدون، فعلى ذلك يقول - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) أيضًا، أي: لا
يبقون بعد موتك أبدًا، ولكنهم يموتون، ولو كان ما يصيبهم بك أنت على ما يزعمون، [فيجيء ألا يصيبهم بعد موتك؛ نحو هذا يحتمل، واللَّه أعلم.
أو أن يقول: إنك ميت فتصل إلى ما وعد لك من الكرامات والثواب، ويموتون هم فيصلون إلى ما أوعدوا من المواعيد والعقوبات، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١) روي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنا لا لعلم ما يفسر هذه الآية، وكنا نقول: من يخاصم؟ فلما وقعت الفتنة بين أصحاب رسول اللَّه، حتى كفح بعضنا وجوه بعض بالسيوف، فعرفت أنها نزلت فينا.
وذكر عن الزبير: لما نزلت هذه الآية، فقال: يا رسول اللَّه، أتكرر علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا في الدنيا، فقال: (نعم)، فقال: إن الأمر إذن لشديد.
وروي عن بعض الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - لما نزلت هذه الآية أنهم قالوا: كيف نختصم ونحن إخوان؟! فلما قتل عثمان ظلمًا وعدوانا، علموا أنها لهم وفيهم، واللَّه أعلم.
ثم خصومتهم هذه يوم القيامة تحتمل وجهين:
أحدهما: في المظالم أو في الحقوق التي كانت لبعض على بعض، أو في الدِّين، أو في أمر الدنيا.