وجهين: أحدهما أذهبتم طيباتكم التي أعطيتموها في منافعكم وأتلفتموها ولم تؤدوا شكرها، ولم تقوموا بوفائها، واللَّه أعلم.
والثاني: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا) أي: أتلفتموها، ولم تكتسبوا بها الطيبات الموعودة في الآخرة والنعم الدائمة، فكل ما أعطى في هذه الدنيا من الأموال إنما أعطى ليستعينوا بها على عمل الآخرة، وليتزودوا بها، ويجعلوها زادًا للآخرة، فأما إذا جعلوها في غير ذلك فهو إتلاف، وجعل في غير ما جعل، وذلك وبال عليهم وحسرة، وهو ما قال اللَّه - تعالى -: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ)، وكذا ذكر: (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ)، فكل نفقة كانت في غير ما ذكر من الاستعانة على زاد الآخرة والتزود لها فهي لحياة الدنيا، وهي لعب ولهو، وهو ما ذكر من الريح فيها صرّ، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وجل -: (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) أي: عذاب تهانون فيه، يهينكم ذلك العذاب.
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) يحتمل استكبارهم الذي ذكر على الرسل، استكبروا على الرسل فتركوا اتباعهم، فاستكبروا على آياته.
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) والفسق هو الخروج عن أمر اللَّه تعالى.
* * *
قوله تعالى: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨)
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ).
هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: أي: اذكر نبأ أخي عاد، وهو هود - عليه السلام - بما عامله قومه من سوء