فَإِنْ قِيلَ: إن نوحا - عليه الصلاة والسلام - قد دعا على قومه بالهلاك.
قيل: إنما دعا على قومه بالهلاك بعدما أيس من إيمانهم؛ حيث قيل: (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ)، أما رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يؤيسه عن إيمان قومه جملة؛ إنما يؤيسه عن بعض بطريق التعيين، وهم قوم علم اللَّه أنهم لا يؤمنون، لا عن الكل؛ فلذلك لم يؤذن بالدعاء عليهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا) يحتمل: كذبوه فيما ادعى لنفسه الرسالة.
أو كذبوه فيما دعاهم إليه بالتوحيد وتوجيه الشكر إلى الواحد القهار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالُوا مَجْنُونٌ)، أي: قالوا لأتباعهم: إنه مجنون.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَازْدُجِرَ)، أي: نوح - عليه السلام - حيث قالوا لقومهم: لا تتبعوه، وزجروهم عنه بقولهم: إنه مجنون؛ فهذا منهم زجر لأتباعهم عن اتباعه؛ فصار لذلك نوح - عليه السلام - مزدجرا عن القوم، وصار القوم مزدجرين عنه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: زجروا نوحا - عليه السلام - أي: منعوه عن إظهار ما أتاهم من الآيات على رسالته، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) أي: مغلوب بالسفه والمكابرة وأنواع الأذى؛ إذ لا يحتمل أن يكون مغلوبا بالحجج، فانتصر لعبدك عليهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) يحتمل قوله - تعالى -: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ) أي: من فوق؛ لأن ما كان من فوقك فهُو سماء؛ فيحتمل أن يكون ذلك من البحر بفوق الذي ذكر أنه بين السماء والأرض.
(وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا... (١٢) أي: أنبعنا الماء من الأرض؛ كأنه قال: أنزلنا الماء من فوق، وأنبعنا من أسفل.
ويحتمل أن يكون قوله - تعالى -: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ) هو حقيقة فتح السماء وإنزال الماء منها، واللَّه - تعالى - قادر أن يرسل الماء مما يشاء، وكيف شاء، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ) قيل: منصب.
وقال أبو عبيد: (مُنْهَمِرٍ)، أي: كثير سريع الانصباب؛ يقال: همر الرجل: إذا أكثر في الكلام؛ فأسرع.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: انهمرت السماء وهمرت، أي: أمطرت؛ فأكثرت.


الصفحة التالية
Icon