وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) يذكر أن الماءين جميعًا: ما أرسل من الفوق، وما أخرج من التحت - على تقدير وتدبير، لا جزافا، وهو كقوله - تعالى -: (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) أي: على تقدير وتدبير من اللَّه تعالى جئت، لا على غير تقدير منه.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (فالتقى الماءان على أمر قد قدر).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) أي: قد قدر لهم أن يغرقوا بالماء إذ كفروا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (قَدْ قُدِرَ) أي: استوى الماء نصفه من عيون الأرض، ونصفه من السماء، وأصله ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) وذكر في حرف حفصة - رضي اللَّه عنها - (وحملناه وذريته على ذات ألواح ودسر)، ذكر - هاهنا - ذات ألواح، وذكر في آية أخرى السفينة بقوله - تعالى -: (أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)، ونحوه؛ فيكون (ذَاتِ أَلْوَاحٍ) تفسير السفينة، ولو لم يفهم من (ذَاتِ أَلْوَاحٍ) السفينة؛ إذ ذات الألواح قد ترجع إلى الأشجار وغيرها، لكن كان تفسير السفينة بما ذكرنا، واللَّه أعلم.
ثم اختلف في قوله - تعالى -: (وَدُسُرٍ):
قال أهل التأويل: الدسر: المسامير التي تشد بها السفينة.
وقيل: الدسر: أضلاع السفينة.
وقيل: صدرها.
وقال الحسن: هي السفينة؛ لأنها تدسر الماء بجؤجئها.
قال أبو معاذ: واحد الدسر: دسار، وجمع الجؤجؤ: الجآجئ، وهي الصدور.
ثم في قوله: (وَحَمَلْنَاهُ)، وتسميته هذه المصنوعة: سفينة - دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله - تعالى - لأنهم هم الذين ركبوا السفينة، ثم أخبر أنه هو الذي حملهم، وكذا الخُشُب المجتمعة لا تسمى: سفينة، إنما سميت بهذا الاسم الخاص بعد الإيجاد والصنعة الموجودة من العباد؛ دل أن لله في فعل العباد صنعا، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا... (١٤) أي: بتقديرنا وبحفظنا.


الصفحة التالية
Icon