والمعنى على الرأْي الثاني: واذ قلتم- جهرة وعلانية غير مبالين- يا موسى، لن نؤْمن من أجل قولك، حتى نرى الله بأَعيننا.
﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ﴾: استولت عليكم وأهلكتكم، لفرط عنادكم وطلبكم المستحيل.
والصاعقة: الموت، أو نار سفطت عليهم من السماء.
﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾: أي تنظرون اليها، وهي نصيبكم وتباشر اهلاككم.
٥٦ - ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ... ﴾ الآية.
﴿مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ بالصاعقة، وكان ذلك بدعاءَ موسى عليه السلام، ومناشدته ربه بعد أن أفاق.
والموت هنا، ظاهر في مفارفة الررح الجسد بقرينة ذكر البعث معه.
وقال بعض العلماءَ: كان موتهم غشيانا رهمودا، لا موتا حقيقيا. كما فى قوله تعالى: ﴿... وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ (١)... ﴾.
والمراد من البعث على هذا، إعادة النشاط والصحو لهم.
وقال آخر: موتهم؛ هوجهلهم الذي كانوا فيه. وبعثهم: تعلمهم أحكام التوراة؛
ومن هذا المعنى قوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ... ﴾ (٢) وقول الشاعر:
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى... يُظَنُّ من الأحياء وهو عديم
﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾: أي لكي تشكروا نعمته تعالى ببعثكم بعد الموت، أو جميع نعمه بعد ما كفرتموها.
والمراد من شكرهم- له تعالى: ما يعم قيامهم بما كلفوا به، وتركهم لما نهوا عنه قبل موتهم
بالصاعقة، فإن الله- بعد موتهم- بعئهم لييشكروه تعالى: بالعمل بما شرعه لهم قبل صعقهم،
حتى تغفر لهم جرائمهم.
فلفظ الشكر: يتناول جميع الطاعات، لقوله تعالى: ﴿... اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكرًا... ﴾ (٣).
(٢) الأنعام - من الآية: ١٢٢
(٣) سبأ- من الآية: ١٣