لهذا كله، كان المثقفون المعاصرون - على اختلاف ثقافاتهم - في أشد الحاجة إلى تفسير وسيط: يخلو من الإسرائيليات والخرافات، ويبتعد عن الخلافات الطائفية، ويتجنب الجدل الفلسفي ما أمكن، ويتضمن الأحكام الفقهية التي يساعد عليها ظاهر النصوص في إيجاز، ويبتعد عن الصطلحات النحوية والبلاغية إلا ما دعت إِليه الضرورة، ولا يذْكُر من الأُمور العلمية والكونية إلا ما ثبت منها قطعًا، وما اتفق مع النص بلا تكلف، ويعرض لربط الآيات والسور بعضها مع بعض، ويبيّن أَسباب النزولِ، كل ذلك في لغة سهلة محببة إلى القارىء: تستدعى المتابعة، وتلتقى مع الرغبة في الاستفادة.
وقد أدرك (مجمع البحوث الاسلامية) حاجة المسلمين في هذا العصر إلى مثل هذا التفسير؛ ليروى ظمأهم من معانى كتاب الله تعالى، فقرر إخراجه استجابة منه لتلك الدواعى الشريفة.
فلذلك عهد إلى ثلاثة من أعضائه، بالإشراف على إخراج هذا التفسير، من حيز التفكير إلى حيز التنجيز. واستعان بمجموعة من العلماء الفضلاء الأثبات، للقيام بهذا التفسير، وانتظم من الجميع مؤْتمر عام تعددت جلساته.
واستقر الرأى- أخيرًا- على النهج الذي ينبغى أن يمضى فيه المشروع، وتكونت لجان فرعية؛ كل لجنة مؤلفة من عالمين يقومان بالتأليف، وخصت كل لجنة بحزبٍ من أحزاب القرآن، فإن فرغت من تفسيره، أخذت سواه. وهكذا.
واقتضت دقة العمل وتوحيد المنهج والأسلوب والروح، تأْليف لجنة لتنسيق ما يؤَلفه السادة الاعضاءُ، مكونة من أعضاء المجمع الثلاثة الذين تقرر إشرافهم على العمل، ومن لفيف من الخبراء الباحثين، حتى يخرج التفسير على نسق واحد محققًا الأمل المنشود.
ولما كانت بعض آى الذكر الحكيم، تشير إلى نوع من الحقائق العلمية في ملكوت السموات والأرض، وعوالم الإنسان والحيوان والنبات، أو تقضى استيفاءَ بعض الأحداث التاريخية، أو الاستيثاق من بعض الآراء التي ينبغى أن تشرح الآيات بها، رأت اللجنة أن تستعين بالخبراء المختصين بتلك الشئون، عملا بقوله تعالى: ".... فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (١).