ثم يلي هؤلاء في العطاء، تحرير الأرقاء فقد شرعه الله - تعالى - للمسلمين، لينقذوا إخوانهم في الآدمية، من العبودية التي استحدثها الناس فيهم، مع أنه - تعالى - خلق الناس أحرارًا.
وقد حُثَّ على تحرير الرقيق، وشرعه في الكفارات، وجعل من خصالها عتق الرقاب - ودعا المسلمين إلى مساعدة المكاتبين من الأرقاء، وهم من كاتبهم مالكوهم على قدر معلوم، يؤدونه لهم، نظير عتقهم وتحريرهم، وقد أوصى الله المؤمنين بهذه العاطفة الكريمة، فقال: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ (١).
وأَوجب سبحانه لتحرير الأرقاء نصيبًا في مصارف الزكاة.
ثم أَتبع ذلك ألوانًا أُخرى من البر، فقال:
﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ﴾: أي وفي أداء الصلوات بأركانها وشروطها.
﴿وَآتَى الزَّكَاةَ﴾: أي وفي إعطاء الزكاة المفروضة لمستحقيها.
أمَّا ما مرّ من إيتاء المال على حبه، فالمقصود منه: التنفل بالصدقات. قُدِّم على الفريضة، مبالغة في الحث عليه.
أو المراد بهما المفروضة: الأول: لبيان المصارف، والثاني: لبيان وجوب الأداءِ.
﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا﴾:
أي: والبر في الموفين بعهدهم، إذا عاهدوا سواهم، فمن أبرز أنواع البر: الوفاءُ بالعهود، قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ (٢).
روى البخاري، أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان". والعهد يكون بين العبد وربه، كما يكون بين المؤمن وجماعة المؤمنين، وبين المسلمين وسواهم.
والمجتمع الفاضل المتمسك: هو الذي يسوده الوفاءُ بالوعد والعهد. أما المجتمع الذي يفشو فيه الغدر والخيانة والغش والخداع، فمآله التفكك والانحلال.

(١) النور: ٣٣.
(٢) لإسراء: ٣٤.


الصفحة التالية
Icon