﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾: أَى مستخفون بالمؤمنين، حينما تظهر الإيمان لهم.
﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾: أي يجازيهم على استهزائهم.
﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ﴾: أي يمهلهم في ضلالهم.
﴿يَعْمَهُونَ﴾: يتحيرونَ.
التفسير
١٤ - ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾:
في هذه الآية تصوير لأحوال المنافقين في معاملتهم المؤْمنين والكفار، فإذا لقوا المؤْمنين قالوا آمنا؛ ليظهروا موافقتهم لهم، وإذا خلوا إلى شياطينهم الذين يلقنونهم الباطل - وهم من بقى منهم على الكفر، أو كبار المنافقين، والقائلون صغارهم- قالوا مطمئنين لهم: إنا معكم في الكفر باطنا، وتعللوالإظهار الإيمان للمؤْمنين بقولهم: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ أي مستخفون بهم، إذ نعمل على خلاف ما نقول لهم.
وقد صور الله نفاقهم في الآية أبدع تصوير، فعبّر عن ملاقاتهم للمؤْمنين بكلمة ﴿لَقُوا﴾ لأن لقاءَهم للمؤْمنين كانه مصادفة لا يحرصون عليه. وعبر عن ملاقاتهم لشياطينهم بكلمة ﴿خَلَوْا﴾ لأن الخلوة تطلب قصدا للادلاء بالأسرار، وذكر انهم كانوا عند لقاء المؤْمنين يقولون (آمنَّا) فعبروا بالفعل الماضي ليظهروا للمؤْمنين انهم معهم من زمان مضى، وعند لقائهم لشياطينهم يقولون: ﴿إنَّا مَعَكُم﴾ بالجملة الاسمية المفيدة للدوام، ويؤَكدونها بإنَّ، ويعللون إظهار إيمانهم بالاستهزاء بالمؤْمنين. فرد القرآن عليهم بقوله تعالى:
١٥ - ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾:
ومعنى ﴿اللهُ يَسْتَهْزِىٌ بِهِمْ﴾: ينتقم منهم ويجازيهم على استهزائهم، لاستحالة المعنى الحقيقى على الله تعالى. سميت عقوبتهم باسم الذنب الذي صدر عنهم، للمشاكلة اللفظية، وهي ذكر الشئ بلفمل غيره لوقوعه في صحبته. ومما جاءَ على هذا النمط قوله تعالى: ﴿وجَزَاء، سيِّئَةٍ سَيِّئَة مثْلُهَا... ﴾ (١).

(١) الشورى - من الآية: ٤٠


الصفحة التالية
Icon