ففى التمثيل إبراز المعنى الخفى في صووة الظاهر. وهو نوع من أساليب البلاغة تصور فيه المعقولات والمحسات، والمَثَلُ في أصل اللغة بمعنى الشبيه والنظير، كالمِثل والمثِيل، وقد يستعار للحال التي فيها غرابة كما في هذه الآية (١).
والمراد من قوله: ﴿الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ مَنْ سعى في تحصيل وقدِها- أَى لهبها وضوئها لتضيء له في الليلة المظْلمة.
والأصل في كلمة ﴿الَّذِى﴾ أن من تستعمل في المفرد، وقد تستعمل في الجمع كما هنا، فهي بمعنى جماعة المستوقدين، ولذا قال سبحانه: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ بضمير الجمع، ومن أمثلته قوله تعالى: ﴿... وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا... ﴾ (٢)، أي كجماعة الخائضين. ويجوز أن يراعي لفظه المفرد، فيعاد الضمير عليه مفردا كما في قوله تعالى ﴿اسْتَوْقدَ﴾ و ﴿حَوْلَهُ﴾ كما يجوز أن يراعي معناه، فيعاد الضمير عليه جمعا، كما في قوله تعالى: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾.
وخلاصة المعنى: أن الله شبه حال هؤلاءِ المنافقين - وقد آتاهم ضربا من الهدى باستعداد الفطرة، ونطقوا بالشهادتين بألسنتهم، ثم أضاعوا ذلك ولم يتوصلوا به إلى نعيم الآخرة وسعادة الأبد فبقوا في حيرة واضطراب لإعراضهم عن الحق واستبطانهم للكفر:- شبه حالهم هذا- بمن أَوقد نارا لينتفع بنورها في الظلمة ليلا، فلما أضاءَت ما حيوله عن الامكنة، سرعان ما انطفات، وذهب الله بنورهم، قبقوا في مكانهم حائرين: لا يرون شيئًا فيما حولهم؛ لشدة الظلمة التي تحبط بهم من كل جانب.
والتعبير بلفظ ﴿أَضَاءَتْ﴾ أبلغ من التعبير بأنارت، لأن الضوء مصدر النور، كما يعلم من قوله تعالى:
هو ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا | ﴾ (٣)، ومعلوم أن نور القمر مستمد من ضياء الشمس. |
(٢) التوبة من الآية: ٦٩
(٣) يونس من الآية: ٥