(وَأُخْرَى كَافِرَةٌ):
أي وفئة أخرى كافرة. والمراد بها: كفار قريش. ولم توصف هذه الفئة بما يقابل صفة الأولى بأن يقال: إنهم يقاتلون في سبيل الشيطان؛ إسقاطًا عن درجة الاعتبار، وإيذانا بأنهم لم يتصدوا للقتال حسب استعدادهم، لما اعتراهم من الرعب والهيبة.
(يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ):
الرَّاءُون: المشركون، والمرئيون: المؤمنون.
والمعنى: أن المشركين كانوا يرون المؤمنين مِثْلَيْ عدد المشركين، أو مثلى عدد المسلمين. والمراد من الرؤية: الظن والحسبان. وقد كثَّر الله المسلمين في أعين المشركين - مع قلتهم - ليهابوهم، فيحترزوا عن قتالهم، أو أن الله أنزل الملائكة حتى صار عدد المسلمين كثيرًا في نظر المشركين، فكانوا يرونهم مثلين (رَأيَ الْعَيْنِ): أي رؤية ظاهرة لا لبس فيها.
روى محمد بن الفرات، عن سعيد بن أوس، أنه قال: أسر المشركون رجلا من المسلمين فسألوه: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر. قال: ما كنا نراكم إلا تُضْعِفُون علينا - وأرادوا أنهم كانوا ألفا وتسعمائة وهو المراد من (يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ).
وقد يقال: إن هذه الآية تناقض آية الأنفال التي تقول: "وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِم" (١). فإن تلك الآية تقتضي أن كلا من الفريقين قُلِّل في أعين الآخر، وهذه الآية تقتضي أن المسلمين ضاعفهم الله في أعين الكافرين؟ والحق ألا تناقض بينهما، إذ المراد بآية الأنفال "وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ" أيها المؤمنون "إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا" إنما كانت هذه الرؤية قبل الالتحام لتقدموا عليهم "وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهم" ليقدموا عليكم. ولا يجبنوا عن القتال، فلما التحم الفريقان، أرى الله المشركين المسلمين مثلين، فكثر عدد المسلمين في أعين الكفار، ليهابوهم وتتزلزل أقدامهم، فيفشلوا وينهزموا، وكان عدد المسلمين الحقيقي في بدر، ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وعددُ المشركين الحقيقي تسعمائة وخمسين رجلا.