متاع الحياة الدنيا، وأن لديه (حُسْنُ الْمَآبِ) - أتبع ذلك بيان حسن المآب، وأنه خير من هذا المتاع الذي يغتر به قصارُ النظر، وأن الذي يحظى به هم: المتقون. فقال جَلَّ ثناؤُه: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم... ) الآية.
والمعنى: قل يا محمد، لهؤلاء الذين يُخدعون بزنية الحياة وما فيها من جمال وحسن، فيحبون مشتهياتها ولذاتها: هل أُخبركم بخير من ذلكم الذي تحبونه، وتميلون إليه من متاع الحياة الدنيا؟ ثم أجابهم عن هذا الاستفهام المشوق ومعناه:
للذين اتَّقَوْا عقاب ربهم فخافوه ولم يعصوه، وأعرضوا عما سواه فلم يُفتنوا به، وكانوا بذلك في وقاية من غضبه وعذابه.
لِهؤلاء: بساتين عظيمة الحسن، تجري من تحتها الأنهار، فيتضاعف بذلك حسنها، ويكمل به التمتع بمباهجها وقطوفها، وهي -لهم حال كونهم خالدين فيها- لا يبرحونها، ولهم مع ذلك زوجات مطهرات من الأدناس الحسية والخُلُقية، فلا يرون فيهن ما يتوهم من عوارض تغض عن جمالهن وطهرهن، وبذلك تكتمل البهجة النفسية، ولهم -فوق ذلك- رضا عظيم صادر من الله ينعمون به، وهم يتقلبون في هذه العطايا فلا يسخط عليهم بعد ذلك أبدًا. وهذا الرضا أكبر من تلك النعم.. كما صرح به في قوله تعالى: "وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ" (١).
والله خبير بجميع العباد، يعلم أعمالهم وأقوالهم وخواطرهم النفسية، فيثيب المحسن فضلا وكرمًا، ويعاقب المسيء عدلا لا يشوبه حيف.
والتعبير عن الجنات بأنها (عِندَ رَبِّهِمْ): للإشارة إلى علو رتبتها، وسمو شرفها، وفي التعريض لعنوان الربوبية - مع الإضافة إلى ضمير المتقين - تلطف بهم، وتشريف وتكريم لهم.
وقد بدأ الله - سبحانه - في هذه الآية بذكر الجزاء المقرر وهو الجنات، ثم ثنَّى بذكر ما يحصل به الأُنس التَّام وهو الأزواج المطهرة، ثم ذكر ما هو أعظم وأفخم وهو رضا الله الذي يسعى إليه الحبيب الواله.. نسأله تعالى ألا يحرمنا رضاه.