التفسير
١٩ - ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ... ﴾ الآية.
المعنى: إن المِلَّةَ المرضية عند الله - هي الإسلام.. فلا يُقبل من أحد دينٌ غيره "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ" (١). فليس لأَحد من أهل الكتاب أن يتمسك بملته بعد ما أنزل الله دستوره القرآن ناسخًا لما قبله من الأديان والشرائع، كما أنه ليس للمشركين أن يتمسكوا بشركهم: "إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" (٢) فلا يرضاه الله لأَحد دينًا.
وكما أن الإسلام هو دين هذه الأُمة الذي رضيه الله لها، فهو دين جميع الأنبياء والمرسلين وأُممهم من قبل محمد، فهو دين الله دائمًا في جميع الأزمان، لاشتماله على توحيده تعالى وتنزيهه عن الصاحبة والولد، واحتوائه على أُصول الشرائع المشتركة بينهما.. أما الفروع، فإنها مختلفة، تبعًا لاختلاف الأُمم.
قال تعالى: "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا" (٣)، فإن ما يصلح منها لأُمة، لا يصلح لأُمة أخرى.
فالصيام مشروع في جميع الأديان، ولكن كيفيته تختلف باختلاف الأُمم.
والميراث مشروع في جميع الشرائع، ولكن كيفيته تختلف باختلاف الأُمم.
وهكذا الأمر بالنسبة لباقي الأحكام.
وبالجملة، فالأمر كما قال صلى الله عليه وسلم: "الأنبياء إخوة لعلات (٤) أُمهاتهم شتى، ودينهم واحد" والمعنى: أنهم إخوة في الدين، وإن تفرقت الأُمهات. ولعله يقصد الأُمهات: الأُمم التي بعثوا فيها. ويدل لذلك قوله تعالى: "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ" (٥).
(وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ):
المعنى: كان أهل الكتاب مجمعين - فيما بينهم - على الإسلام إذا جاءَهم رسوله الموعود به في كتبهم.
وكان فريق منهم - وهم اليهود - يعادون مشركي المدينة.. وكانت تتحدث بينهم حروب،
(٢) لقمان من الآية: ١٣.
(٣) المائدة من الآية: ٤٨.
(٤) أي: إخوة لضرات. حديث رواه الشيخان وأوله: "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم... ".
(٥) الشورى: ١٣.