وقد تكرر النهي - عن موالاة المؤمنين للكافرين - في عديد من آي القرآن، لخطورتها على كيانهم. فهم - دائما - يتربصون بهم الدوائر، ويبغونهم الفتنة. وفي المسلمين سماعون لهم، وهم المنافقون، وضعاف النفوس.
فيمن الآيات الناهية عن موالاتهم، قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ" إلى قوله تعالى: "يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ" (١). وقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا" (٢).
فعلى المؤمنين أن يحذروا موالاتهم، حتى يأمنوا شرهم، ويكونوا بذلك أهلا لتأييد ربهم مالك الملك، وصاحب العز والسلطان.
وعليهم أن يقصروا موالاتهم على المؤمنين: لا يتجاوزونهم إلى الكافرين لغرض من الأغراض، إلا لأن يتقوا أو يحفظوا أنفسهم من ضرر شأنه أن يتقي ويُحذر.. فإذا اضطر المسلمون لموالاتهم دفاعا عن الوطن، أو المال، أو العرض، فلهم ذلك... في حدود الضرورة.
وأجاز المحققون من العلماء: الاستعانة بالكفار، بشرط الحاجة الوثوق.. أما بدونهما، فلا تجوز. واستدل لذلك، بأن النبي صلى الله عليه وسلم، استعان بيهود بني قينقاع ورَضَخَ لهم (٣).. واستعان بصفوان بن أُمية في هوازن.
على أن بعضهم ذكر أن الاستعانة المنهي عنها، هي استعانة الذليل بالعزيز. أما غيرها فلا. وفي فتاوى ابن حجر: جواز القيام في المجلس لأهل الذمة. وَعَدَّ ذلك من باب البر وحسن المعاملة المأذون به في قوله تعالى: "لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (٤).
ثم ختم الله الآية بهذا التحذير الخطير، فقال:
(وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ):
أي يحذركم اللهُ - أيها المؤمنون - عقابَ نفسه، إن واليتموهم في غير ما أُبيح لكم.. واعلموا أن إلى الله المرجع، فسوف يجازى كل امريء بما كسب. وفي إضافة تحذيرهم إلى نفسه وإلى ذاته العلية، إيذان ببلوغ المنهي عنه منتهى الخطورة.

(١) الممتحنة: ١.
(٢) النساء: ١٤٤.
(٣) أي أعطاهم مالا قليلا في مقابل معونتهم.
(٤) الممتحنة: ٨.


الصفحة التالية
Icon