٣٥ - ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾:
امرأة عمران، هي: حَنَّةُ بنت فاقُوذا، كما رواه إسحق بن بشر، عن ابن عباس والحاكم، عن أبي هريرة، وهي جدة عيسى عليه السلام لأُمه.
وكانت هذه السيدة عاقرًا لا تلد. وكانوا أهل بيت من الله بمكان. فتحركت نفسها يومًا لأن تكون أُمًا. فلاذت بربها ودعته - بضراعة - أن يهب لها ولدا، ونذرت إن حقق الله أُمنيتها: أن تجعل ولدها محرَّرًا: أي خالصًا للعبادة وخدمة بيت المقدس، عتيقا من سوى ذلك. وكان ذلك جائزا في شريعتهم. وكان على أولادهم أن يطيعوهم فيما نذروا.
وكانت خدمة البيت والإقامة فيه للعبادة، قاصرة على الغلمان. فلما تحقق حملها، قال لها زوجها: أرأيت إن كان ما في بطنك أُنثى - والأُنثى عورة - فكيف تصنعين؟. فقالت عند ذلك (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ): تريد بهذه الضراعة: التماس الولد الذكر، لعدم قبول الأُنثى في خدمة البيت. فكأنها تقول: رب إني نذرت ما في بطني، فاجعله ذكرا، لأستطيع تحقيق نذري.
وجعله بعض الأئمِة تأكيدا لنذرها، وإخراجا له عن صورة التعليق، إلى هيئة التنجيز.
ومعنى (نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي): نذرته لأجلك. وهي تريد بذلك: أنها نذرته لخدمة بيته وعبادته فيه. وتقصد بقولها: (مُحَرَّرًا) أنها ستخلصه لذلك، فلا تصرفه في حوائجها. مأخوذ من التحرر. وهو: التخليص من الشوائب.
وختمت ضراعتها بقولها: (فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وهو تعليل لاستدعاء القبول، أي إنك السميع بكل المسموعات فتسمع دعائي، العليم بكل المعلومات، فتعلم نيتي وإخلاصي فَتَفَضَّلْ من أجل ذلك بقبول التماسي.
٣٦ - ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى... ﴾ الآية.
ضمير الغائبة في (وَضَعَتْهَا) عائد على ما في بطنها، وتأنيثه باعتبار الواقع.
والمعنى فلما وضعت أُنثى - على خلاف ما كانت تأمله - قالت متحسرة حزينة على فوات