جاء تذكير الفعل معهم بتأويل الجمع، كقوله تعالى: "وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ" (١).
ويحيى هذا، هو المسمى عند المسيحيين: يوحنا المعمدان.
٤٠ - ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾:
لَمَّا بشرته الملائكة بذلك، وتحقق من البشارة، تعجب من وقوع ذلك مع وجود الموانع، فقال: يا رب، من أين يكون لي غلام، وقد أدركتني الشيخوخة - فقد كانت سِنُّهُ - على ما روى عن ابن عباس - مائة وعشرين سنة - وامرأتي عاقر لا تلد! وقد كانت هي الأُخرى متقدمة في السن، إذ بلغت ثمان وتسعين سنة، على ما روى عن ابن عباس.
وإنما خاطب بذلك ربه ولم يخاطب الملائكة الذين بشروه، مبالغة في التضرع إلى الله تعالى. وحينئذ أجابه المولى قائلا: (كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) أي: الله يفعل ما يشاءُ، مثل ذلك من الأفعال الخارقة للعادة، الخارجة عن القياس.
٤١ - ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَل لي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا... ﴾ الآية.
قال زكريا - لما سمع هذا الجواب الحاسم من الله رب العالمين - اجعل لي علامة أستدل بها على حمل امرأتي. قال الله له: علامتك، ألا تقدر على مكالمة الناس، ثلاثة أيام متوالية من غير آفة.
وتقييد عدم الكلام بالناس، مؤْذن بأَنه كان غير محبوس عن ذكر الله تعالى. وكان حديثه مع الناس - في هذه المدة - رمزًا. كما قال تعالى: (إِلَّا رَمْزًا) والرمز: الإشارة باليد أو الرأس أو نحوهما.
ثم أمره الله أن يذكر سبحانه، في وقت لا يحتبس فيه لسانه عن الناس، فقال:
(وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) يعني: واذكر ربك ذكرا كثيرا، ونزهه عما لا يليق به: في وقت العشي - من الزوال إلى الغروب - أو من العصر إلى أَن يذهب صدر الليل، واصنع مثل ذلك في وقت الإبكار - من الفجر إلى الضحى.
والمراد من العشي والإبكار. جميع الأوقات. والذكر: يتناول ما كان باللسان والقلب.