والمعنى: فلما استيقن عيسى مداومتهم على الكفر، وعدم استجابتهم لدعوته، اتجه إلى من خلصت نيتهم من قومه، مخاطبا لهم بقوله: من ينصرني ويؤيدني وأنا متجه إلى الله داعيا لدينه، لا يصرفه عن ذلك صارف ولا يمنعه مانع؟ فاستجاب لندائه عليه السلام، صفوته وخاصته من قومه.. وقد حكى الله استجابتهم بقوله:
(قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ):
أي: قال المخلصون له من قومه: نحن أنصار دين الله: ننضم معك في نصرته، وفي تبليغ دعوته، وتوضيح رسالتك، لأننا آمنا بالله. ومن يؤمن به سبحانه، فعليه أن ينصر دينه. واشهد علينا يا رسول الله، بأننا منقادون لما يريده الله منا. ثم توجهوا إلى الله مؤكدين ما خطبوا به عيسى عليه السلام، فقالوا:
٥٣ - ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾:
المعنى: أَكَّد الحواريون إيمانهم الذي أشهدوا عليه عيسى - متجهين به إلى ربهم - قائلين: ربنا آمنا بما أنزلته على جميع رسلك، واتبعنا الرسول عليه السلام، فاكتبنا عندك - ببركة هذا الإيمان - مع الشاهدين من جميع الأُمم: بصدق الأنبياء والمرسلين. ولا تجعلنا من المعاندين المكابرين، الذين ينكرون الحق مع وضوح دليله.
وعن ابن عباس معناه: واكتبنا مع أُمة محمد صلى الله عليه وسلم، الشاهدين للرسل بالتبليغ.
ثم حكى الله تدبير بني إسرائيل اغتيال عيسى وإحباط الله لكيدهم فقال:
٥٤ - ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾:
المعنى: قال ابن عباس في تفسيرها: لما أراد مَلِكُ بني إسرائيل قتل عيسى عليه السلام، دخل - أي عيسى - خوخة فيها كوة، فرفعه جبريل عليه السلام، من الكوة إلى السماء. فقال الملك لرجل خبيث منهم: ادخل عليه فاقتله. فدخل الخوخة، فألقى الله عليه شبه عيسى عليه السلام، فخرج إلى أصحابه يخبرهم أنه ليس في البيت. فقتلوه وصلبوه، ظنا منهم أنه عيسى.
وقد جاء في إنجيل "برنابا" ما يصدق هذا المروي عن ابن عباس. وزاد على ذلك: أن هذا


الصفحة التالية
Icon