ويشهد له - ولنزوله آخر الزمان - ما رواه الإمام مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَاللهِ، لينزلنّ ابن مريم حكما عادلا فليكسرَنَّ الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولَتُترَكَنَّ القلاص (١)، فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناءُ والتباغض والتحاسد، ولَيُدْعَوُنَّ إلى المال فلا يقبله أحد".
ولا ينزل عيسى بشرع جديد ينسخ شريعتنا، بل ينزل مجددا لما درس منها، ومتَّبعا لها، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: "كيف أنتم إذا أُنزل فيكم ابن مريم وإمامُكم منكم"!
وبما أنه سينزل آخر الزمان، فلابد أنه يبقى حيا إلى حين ينزل ويبلغ شرع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لو مات قبل ذلك، لكان نزوله هذا بعثا له في الدنيا. ولا بعث إلا في الآخرة. كما دل عليه الكتاب والسنة.
والمراد من قوله: (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أنه تعالى، يبعده عنهم بالرفع، حتى لا يبقى بين من دنسوا أنفسهم بالكفر، تنزيها له عن دنسهم. أو أنه يُبْعِد أَيديَهُم عنه، فلا تمسه بأذى.. فهم أنجاس لكفرهم.
ويصح أن يكون هذا وعدا من الله له، بأنه - في آخر الزمان - يزيل من طريقه الكافرين، فلا يستطيعون صده عن الهدى كما كانوا يفعلون قبل رفعه.
(وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ):
لا يقال للأُمة: إنها اتبعت رسولها إلا إذا كانت تنفذ ما جاءَ به: اعتقادا وقولا وعملا.
والنصارى - بعد أن رفع الله عيسى - انقسموا فرقا وشيعا: فمنهم من آمن به، على أنه عبد الله ورسوله وابن أَمَتِهِ. ومنهم من غلا فيه فيجعله ابن الله. ومنهم من قالوا: هو الله. وآخرون قالوا: هو ثالث ثلاثة.