وأغذية، فنطفا ومضغا، فأحياكم بنفخ الأرواح فيكم، ثم بعد احيائكم، هو الذي يميتكم عندانقضاء آجالكم، ثم بحييكم مرة أخرى -عند النفخة الثانية- حياة البعث، ثم إليه وحده تُرْجعُونَ للحساب والجزاء، ومن كان هذا شأْنه فلا يصح الكفر به أو إشراك غيره معه في العبادة!.
وإنما اختلف العاطف في الآية -بالفاء وثم- لأن قوله: ﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾ مراد منه الحياة ألأُولى بنفخ الروح، وهي حاصلة عقب كونهم أمواتا. فلذا عطف بالفاء التى هي للترتيب والتعقيب. أَما العطف بثم التي هي للترتيب والتراخى في قوله: ﴿ثُم يمُيتُكُمْ﴾ فلأن المراد بالموت هنا: خروج أَرواحهم بعد إنقضاء آجالهم، وهو متراخ فى الزمن عن بدء حياتهم.
وقوله آخر الآية: ﴿ثمَّ يُحْييكُمْ﴾ المراد به: الإحياءُ للبعث، وهو متراخ فى الزمن كذلك، لأنه بعد إنقضاءِ فترة البرزخ في القبور.
وقد يقال: الامتنان بهذه النعم ظاهر في الإحياء بعد العدم، فما وجه المنة بقوله: ﴿ثُمَّ يمُيتُكُمْ﴾ وهل في الموت امتنان؟
والجواب: أن الموت هو سبيل الحياة الأبدية بعد البعث. وما كان وسيلة للحياة الخالدة، يصح عده بين النعم. أن هم استجابوا إلى دعوة الحق.
وقد يقال أيضًا: أن المخاطبين من الكفار، وهم لا يعترفون بالبعث والرجوع إلى الله، فكيف ينظم ما ينكرونه في سلك ما يعترفون به؟
والجواب: أن الله تعالى نزَّل إِنكارهم للبعث منزلة العدم، لقيام الدليل العقلي والنقلي على إمكانه وحدوثه، وأَن المقصود الأساسى تذكيرهم به ليحذروه، ولذا ختم الآية بقوله: ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، أي: إليه وحده- لا إلى غيره- مرجعكم بعد هذه الأطوار؛ وسيحاسبكم حسابا عسيرا على كفركم به، على الرغم من ظهور آياته البينات.


الصفحة التالية
Icon