﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾:
المراد من استوائه -تعالى- إلى ألسماء، إقباله عليها بإرادته ليخلقها بغير صارف يصرفه عن ذلك (١)، واستعماله في هذا المعنى معروف في لغة العرب ومنه قولهم: استوى إِليه كالسهم المرسل: يعنون بذلك انه قصده قصدا مستويا، من غير أن يصرفه عنه صارف آخر- وهذا التفسير هو الذي اختاره الفراء، َ وهو الذي نختاره، آما تفسيره بالصعود ونحود، فلا يليق وصف الله به لتنزهه عن صفات الحوادث. والمراد من السماء: الجنس الشامل للسموات السبع، ولذا قال: ﴿فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ بضمير جمع الأناث.
معنى تسويته -تعالى- للسموات السبع، أنه خلقهن من أول الأمر سَوِيَّات، أي مصونات من النقص والعيب (٢). ومثل هذا قولهم: سبحان من كبر الفيل، أي خلقه من أَول الأمر كبيرا، وسيأتى الكلام على اْلسموات السبع.
وظاهر قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ أن خلقه -سبحانه- للسموات خالية من العيب، متأَخر عن خلقه مافى الأرض جميعًا لناْ، لأنه عطف عليه بلفظ (ثُمَّ) وهي للترتيب والتراخى.
ولكن هذا الظاهر مخالف لنص آخر يقتضى تقدم خلق السموات على دَحْوِ الأرض، فقد قال تعالى في سورة النازعات: ﴿أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣)﴾.
فهذا النص يدل على أن الله بنْى السماء وانشأَها مرفوعة مسوَّاةً، وجعك ليلها مظلما، وأخرج فيها شمسها المضيئة. وبعد ذلك دحا الأرض، ورتب فيها منافعها، فأَخرج منها ماءَها ومرعاها، وأرساها بالجبال حتى لا تميد بنا، وجعل ذلك متاعا لنا ولأنعامنا.
وهذا الذى قرَّرته سورة النازعات، هو الذق يقول به أصحاب النظريات العلمية الحديثة.
(٢) وليس المعنى أنه سبحانه خلقهن أولا غير سويات ثم سواهن.