فهل كل هذه المجرات تجرى في سبعة أفلاك أو تسعة، كما يقتضبه كلام القدامى من
الفلكيين- بحيث تجرى كل مجموعة ذات مستوى معين في فلك منها، أم أَنها تحتاج إلى
أفلاك أكثر، فتكون السماوات أكثر مما ظنوا. لا شك أن العلم بالحقيقة مقصور على الله،
وما يقوله الخلق عن ذلك عرضة للاهتزاز، ثم الانهيار، لأَن هذه الأجرام السماوية في أبعاد سحيقة، فلا نستطيع الاطمئنان إلى عندهم طبقاتها بسبع أو تسع أو غيرهما- وهم على ظهر الأرض- مهما كانت مناظير هم بعيدة المدى.
والذي يظهر لنا من القرآن الكريم، أَن السموات السبع شىءٌ آخر غير النجوم والكواكب والأفلاك النى تجرى فيها، فقدقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ (١)﴾.
فهذا النص يقتضى أن المجرات بنجومها وكواكبها، هي المصابيح التي زين الله بها السماء الدنيا- أي الأولى- وحيث كانت زينة لها فليست هي السماء الأولى ولا غيرها من السموات السبع، ألا ترى أَن عِقْد اللؤلؤ زينة لصدر الفتاة، وليس هو صدرَ الفتاة بل غيرَه.
لهذا لم يكن عجبا ما قرأناه أخيرا، من أن بعض العلماء أثبت أن وراء المجرات عوالم عظيمة لم تتبينها المناظير بعد، والله تعالى أعلم بملكه وملكوته عن عباده.
﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾:
هذه الجملة مقررة لما قبلها من خلق السمنوات والأرض على النمط البديع، والمنطوي على الحكم الفائقة، والمصالح العظيمة، فإن علمه بجميع الأشياء، وبما يليق بكل واحد منها، يستدعي أن يخلق كل ما يخلقه على النمط البديع الحكيم.
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)﴾.
المفردات:
﴿خَليفَةً﴾: الخليفة؛ من يخلف غيره وينوب عنه. فعيل بمعنى فاعل، والتاءُ للمبالغة. والمراد به آدم وبنوه.