فليس سؤَالهم اعتراضًا على الله، ولا شكًّا في اشتمال جعله خليفته فى الأرض على الحكم والمصالح.
﴿وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾: أي يقتل النفوس التي يحرم قتلها، والتعبير عنه بسفك الدماءِ، لأنه اقبح أنواع القتل.
﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾: هذه الجملة مقررة للتعجب السابق، ومؤَكدة
له، كأنه قيل: أتستخدم مَن شأن ذريته الفساد، مع وجود من هو مجتهد في طاعتك لا يعصيك أَبدا؟
والمقصود عرض أحقيتهم بالخلافة كما فهموا، والاستفسار عما رَجَّحَ بني آدم عليهم، مع ما يتوقع منهم من الفساد؛ ليعرفوا حكمته من الحكيم الخبير: الذي يضع كل شىء في موضعه.
وقد نظرت الملائكة في سؤَالها إلى الغرائز الداعية إلى الفساد نى بني آدم، وغفلت عن "العقل" الذي يمسك بها، ويصر فها إِلى الخير وتَعَرُّف أحوال الكائنات والانتفاع بها، وغير ذلك مما يصلح به أمر الخلافة في الأرض، إلى جانب استدلاله حها على الصانع جل وعلا.
ولا شك أن بني آدم- بكفاحهم لغرائزهم وشهواتهم، وصرفها ناحية الخير- يفضلون عوام الملائكة، لأنهم مخلوقون للطاعة، ولا شهوة فيهم.
والتسبيح: تنزيه الله تعالى عما لايليق به؛ اعتقادا وقولا وعملًا، وكذلك تقديسه.
والمعنى: ونحن ننزهك؛ متلبسين بحمدك على ما أنعمت علينا من فنون النعم، ونقدس لك تقديسا يليق بمقامك. وقيل: معنى نقدس لك؛ نطهر نفوسنا عن الذنوب لأجلك.
وكان جواب الله عليهم: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أي إنى أعلم ما لا تعلمونه من دواعي الخلافة فيه، ولا يضير استخلافه وذريته أن بعضهم مفسد سفاك للدماء، لأن الله أودع فيهم الصلاحية لعمارة الأرض، والخير غالب فيهم.
على أن ما يقع من بعضهم من الشر هو ابتلاء من الله للجميع؛ ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، وليثبت القائمين بإرشاد العصاة ثوابا عظيما: ﴿... وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ (١)

(١) الأنبياء من آية: ٣٥


الصفحة التالية
Icon