والتنويه بشأْنه، حيث أمر الله الملائكة بالسجرد له. والآية معطوفة على ماقبلها، عطف القصة على القصة. فقد عطفت فيها قصة السجود على قصة الخلق، لتستكمل بها نعمه -تعالى- التي تفضل بها على خلقه.
ومعنى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ أي واذكر لهم يا محمد، وقت قولنا للملائكة: ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ أي: عظموه اعترافا- بفضله، وأداءً لحق تعليمه لكم الأسماءَ، واعتذارا عما وقع منكم فى شأنه ﴿فَسَجَدُوا﴾ عطف على ﴿قُلْنَا﴾، والفاءُ لإفادة مسارعتهم إلى الامتثال ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ فإنه لم يسجد ولم يمتثل. وسيأْتى بيان امتناعه في الآية الكريمة.
وظاهر استثنائه من الملائكة الذين سجدوا أنه منهم، ولكنه ليس كذلك، فإنه جِنَّىٌّ؛ لقوله تعالى في آية أُخرى عنه: ﴿... كَانَ مِنَ الْجِنِّ... ﴾ (١)، ولأنه لو كان من الملائكة، لما امتنع عن امتثال أمر ربه، لأنهم ﴿... لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (٢)
ولهذا، يحمل استثناؤُة منهم على أنه لما كان بينهم، عابدا بعبادتهم، جعل منهم. فإن من طالت اقامته مع قوم واندمج فيهم، اعتبر منهم وان لم يكن من قبيلتهم.
وعلى هذا التأويل، يعتبر استثناؤة متصلًا، ويجوز اعتبار الاستثناء منقطعا.
ومعنى ﴿أَبَى﴾ امتنع اختيارا. ﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ طلب الكبرياءاستعلاءً وادعاءً، فإن الكبرياءَ حق الله وحده.
ومعنى قوله: ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ وصار من الكافرين بسبب عصيانه على حد قوله في شأن ابن نوح: ﴿... فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ (٣)
واعلم أن الذي تقتضيه هذه الآية- والتي في سورة الأعراف: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ... ﴾ (٤) وكذا ما في سورة الإسراء. وطه والكهف- أن سجود الملائكة، إِنما ترتب على الأمر التنجيزى، الوارد بعد خلقة وتسويته ونفخ الروح فيه.

(١) الكهف من الآية: ٥٠
(٢) التحريم من الآية: ٦
(٣) هود من الآية: ٤٣
(٤) الأعراف من الآية: ١١


الصفحة التالية
Icon