والسكن: الإقامة في مكان تسكن فيه النفس، أي تطمئن فيه.
والجنة التي أمر بسكناها: هي دار الثواب، عند الجمهور، لأَنها كذلك في عرف نصوص الشريعة: وقيل هي جنة بأرض فلسطبن، أو بين فارس وكرمان أو في غيرهما، خلقها الله امتحانا لآدم عليه السلام، وحمل الإهباط منها على النقل منها إلى أرض أخرى، كما في قوله تعالى: ﴿.... اهْبِطوا مِصْرًا.... ﴾ (١) لأن خلقه كان في الأرض بلا خلاف. ولم يذكر في قصته رفعه منها إلى السماء حيث جنة الجزاء. ولو وقع ذلك، لكان أولى بالذكر؛ ولأنها لو كانت دار الخلود، لما دخلها إبليس.
ذكره أبر السعود والآلوسى، والله أعلم.
ومعنى قوله: ﴿وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا﴾: أي تمتعا بالأَكل منها أكلا واسعا، في أَي مكان شئتماه من الجنة.
ْوقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ نهي أُريد به أختبار آدم وحواء، وتعلق النهي بالقرب من الشجرة، للمبالغة في الإبعاد عن الشجرة نفسها، فإن انتفاء القرب يستلزم عدم الوقوع في الأكل وهو المقصودمن النهي.
والمشار إليه بـ (هذه) يحتمل أن يكون شجرة بعينها، ويحتمل أن يكون جنسها. فتدخل فيه هي ومثيلاتها.
وبين هذين الاحتمالين وقع التأويل من آدم بسبب الوسوسة. فالمظنون أنه تأَوّل النهي بأنه عن شجرة بعينها من الجنس، فَتَرَكَ المشارَ إلى شخصها وأكل عن جنسها؛ مع أن المقصود هو النهى عن الجنس، إذ لا فرق ببن شجرة منه وشجرة أُخرى.
ونحن نمسك عن تعيين شخصها أو نوعها؛ لعدم وجود دليل لهذا التعيين.
وكان الأكل منها سببا في اخراجهما من الجنة عقوبة على مخالفة النهى.
﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾: المراد من ظلمهما ظلم أنفسهما، فإن مخالفة النهي، كانت سببا فىْ حرمانهما مما كانا فيه من نعيم الجنة.