وتحت راية هذا الذكر الحكيم: انتشر الإسلام في العالمين وسادت اللغة العربية كثيرا من لغات البلاد التي آمنت به، وازدهرت الحضارة الرفيعة في ربوعها، فإنه أباح لهم عمارتها والتمتع بطيباتها وزينتها، إلى جانب أنه حثهم على السمو الروحى عن طريق العلم والعمل الصالح، للفوز في دار الخلود.
وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ...﴾ (١)
ويقول عز وجل: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾. (٢)
ويقول سبحانه: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ (٣)
وفي ظلال تمسكهم بهداه، استحقوا أن يكونوا خير أُمة أُخرجت للناس. وذلك لأنهم: يأْمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤْمنون باللهِ، ويسلكون سبيل الرشاد.
ولما تراخى المسلمون في الاعتصام به: انتثر عقدهم، وذهبت ريحهم، وتفرق شملهم، فلا سبيل إلى استعادة أمجادهم وعزتهم وتوتهم، إلا بأَن يعودوا إلى التمسك حهذا الكتاب العظيم: وأن تخفق قلوبهم لتوجيهه، وتنقاد لإرشاده، في شئون الدنيا والدين.
ومن أبرز صفات المؤمنين الصادقين، التجاوب العقلى والروحى، والعملي مع آي الذكر الحكيم: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (٤). وأن يتأثروا بعظاته على نحو ما يقوله سبحانه: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ...﴾ (٥) وأن يحذروا الفرقة بعد أن جمعهم الله: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ... ﴾ (٦).
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا...﴾ (٧). وأن يأخذوا بأسباب القوة علماً وعملا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ...﴾ (٨)

(١) الأعرف: ٣٢
(٢) طه: ١١٢
(٣) الزلزلة: ٨، ٧
(٤) الأنفال: ٢
(٥) الزمر: ٢٣
(٦) النحل: ٩٢
(٧) آل عمران: ١٠٣
(٨) الأنفال: ٦٠


الصفحة التالية
Icon