وهو صفة الصالحين، فهم لا يقنطون من رحمة الله. إِذا مسهم البلاء، ولا يندفعون في المعصية، ولا يطغون إذا مستهم النعماء. قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١)﴾ (١).
والصبر: دعامة كل عمل صالح، ومعين على اجتياز المصاعب. وقد أمر الله تعالى بالاستعانة بالصبر فى كل الأُمور؛ بأن نصبر على مشقة الطاعات، وصعوبة البعد عن الشهوات وعن اللذات الآثمة، وعلى مكاره الشدائد والمحن، امنثالا لأمر الله في الأُولى، وصبرا على بلائه فى الأُخرى. كما أَمر بالاستعانة بالصلاة، لما فيها من العبادة النفسية والبدنية وإظهار الخشوع لله. وكل ذلك يزكى النفس ويقويها على احمال التكالف والشدائد.
ولذا حث الله نبيه وأمته عليها بقوله: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ﴾ (٢) وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر، فزع إلى الصلاة.
ويحتمل أن المراد بالصلاة: معناها اللغوى؛ وهو الدعاءُ، فإنه من خير ما يستعان به.
والخطاب موجه إلى اليهود بعد دعوتهم إلى الإيمان والعمل الصالح. ، ليجمعوا- إِلى.
الإيمان المطلوب- هذه العبادات. فكأَنه قيل: ولا تكتموا الحق- وهو نبوة محمد- فأعلنوه وآمنوا به؛ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وصلوا مع المصلين من المسلمين، بعد ايمانكم، ولا تأَمروا الناس بالبر على حين تهملون أنفسكم.
وأول خصال البر والخير هو الإيمان، واستعينوا بالصبر والصلاة على الأمر كله.
وللخطاب مفة العموم فى الحكم لجميع المسلمين أيضًا، كما سيأْتى.
﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ﴾: الضمير في ﴿إنَّهاَ﴾ عائد إلى الصلاة، أي وإن الصلاة لثقيلة إلا على الخاشعين الخاضعين بقلوبهم لله، أو عائد إلى جميع الأُمور؛ التي أمر بها بنو إسرائيل، والتي نهوا عنها، في قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ الآيات.

(١) هود.
(٢) طه من الآية: ١٣٢


الصفحة التالية
Icon