أي: وخافوا الله الذي إليه وحده تحشرون بعد بعثه لكم من قبوركم، لا إلي غيره استقلالا أو اشتراكا.
١٠ - ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠)﴾:
أي: إنما التناجي والمسارة بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ﷺ من الشيطان، فهو المتسبب فيها والحامل عليها؛ ليدخل الحزن في قلوب المؤمنين، وليس الشيطان أو التناجي بالإثم والعدوان بضارهم شيئا من الضرر إلا بإرادة الله - تعالى - ومشيئته، وذلك بأن يقضي بالموت أو الغلبة على أقاربهم، وعلى الله فليتوكل المؤمنون فلا تكترثوا بتناجيهم، ولتتوكلوا على الله ولا تحزنوا فلا يقع في ملكة إلا ما يريد، والمقصود من الآية إزالة خوف المؤمنين من تناجي أعدائهم.
وقد روي البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه"، وعلق عليه الآلوسي فقال، ومثل التناجي في ذلك أن يتكلم اثنان بحضور ثالث بلغة لا يفهمها الثالث إن كان ذلك يحزنه.
وعلق عليه القرطبي بقوله: يستوي في ذلك كل الأعداد، فلا يتناجي أربعة دون واحد، ولا عشرة ولا ألف - مثلا - لوجود هذا المعني في حقه، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع، فيكون التناجي دون هذا الواحد بالمنع أولي، وإنما خص الثلاثة بالذكر، لأنه أول عدد يتأتي ذلك فيه، وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال، وإليه ذهب ابن عمر ومالك والجمهور، وسواء كان التناجي في مندوب أو مباح أو واجب، فإن الحزن يقع به، وقد ذهب بعض الناس إلي أن ذلك كان في أول الإسلام، لأن ذلك كان في حال المنافقين، فيتناجي المنافقون دون المؤمنين، فلما فشا الإسلام سقط ذلك. أهـ.
ورأي الجمهور أرجح من ذلك.