والمعني: يا أيها الذين آمنوا إذا قال لكم قائل منكم: توسعوا في المجالس في المسجد أو غيره فاستجيبوا له وليفسح بعضكم عن بعض في المجالس، ولا تتضاموا فيها لمنعه من الجلوس بينكم، فإذا أفسحتم له يفسح الله لكم في رحمته أو في منازلكم في الجنة أو قبوركم أو في صدوركم أو في رزقكم، وقال بعضهم: المراد يفسح الله: سبحانه - لكم في كل ما تريدون الفسح فيه مما ذكر أو غيره.
قال القرطبي: والصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير، والأجر، سواء أكان مجلس حرب أم ذكر أم مجلس يوم الجمعة، فإن كل واحد أحق بمكانه الذي سبق إليه فلا يقام منه كرها، بل يستأذن في التوسعة، قال صلى الله عليه وسلم: "من سبق إلي ما لم يسبق إليه فهو أحق به" (١) ولكن يوسع لأخيه ما لم يتأذ بذلك فيخرجه الضيق عن موضعه، روي البخاري ومسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه الذي يجلس فيه"، وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه نهي أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر، ولكن تفسحوا وتوسعوا"، وكان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ثم يجلس مكانه" واللفظ البخاري.
والأكثر قالوا: إن الآية نزلت لما كان عليه المؤمنون من التضامِّ في مجلسه ﷺ والضِّنة بالقرب منه وترك التفسح لمقبل، قال الآلوسي: وأيا ما كان فالحكم مطرد في مجالسه ﷺ ومصاف القتال وغيرها.
(وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا (٢) فَانشُزُوا يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).
والمعنى كم قال القرطبي: وإذا قيل لكم: انهضوا إلي الصلاة والجهاد وعمل الخير، فانهضوا ولا تتباطئوا، وقال ابن زيد: هذا في بيت رسول الله ﷺ كان كل رجل منهم يجب أن يكون آخر عهده النبي ﷺ فقال - تعالى - (وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا) عن النبي ﷺ فانشزوا فإن له حوائج فلا تمكثوا.
(٢) أمر في النشز وهو الارتفاع، مأخوذ من نشز الأرض وهو ارتفاعها.