قال القرطبي: الظاهر أن النسخ إنما وقع بعد فعل الصدقة، ثم قال: وذكر القشيري وغيره عن علي بن أبي طالب أنه قال: آية في كتاب الله ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، وهي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) كان لي دينار فبعثه، فكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نَفِد، فنسخت بالآية الأخري: (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ)، وقال ابن عباس أيضا: نسخها الله بالآية التي بعدها، وقال ابن عمر:
لقد كانت لعلي بن أبي طالب ثلاث، لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إليَّ من حمر النعم: تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوي.
والمعني الإجمالي للآية: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله: إذا ساررتم الرسول ﷺ فقدموا قبل هذه المسارة والمناجاة صدقة تصرف على فقرائكم ذلك خير لكم وأطهر لقلوبكم، فإنه يعودها على حب البذل في الخير، كما أن فيه إعداد النفس لمزيد التلقي من رسول الله ﷺ فإن لم تجدوا ما تتصدقون به فإن الله غفور رحيم لمن ناجاه ولم يتصدق قبل المناجاة لفقره.
١٣ - ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٣)﴾:
أي: أخفتم الفقر بسبب أن تقدموا قبل نجواكم صدقات (١) أو أخفتم تقديم الصدقات لتوهم ترتب الفقر عليه (٢) فإذ (٣) لم تفعلوا ما أُمرتم به من تقديمها قبل المناجاة وتاب الله عليكم من كثرة المناجاة للرسول ﷺ من غير ضرورة، حيث عدلتم عنها بعد تكليفكم بتقديم الصدقة قبلها، والتزمتم القصد فيها والتخفيف فيها، فتحقق الغرض
(٢) وعلى هذا يكون لفظ: (أن تقدموا... الخ) هو المفعول به لأشقق.
(٣) لفظ إذ في قوله - تعالى - (فإذا لم تفعلوا) ظرف الزمان الماضي.