١٥، ١٦ - ﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٥) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (١٦)﴾:
تتضمن هاتان الآيتان مثلين - مثلًا للمشركين في نهايتهم، ومثلًا للمنافقين في وعودهم لليهود. فأَما الأَول فقوله تعالى -: (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ... ) الآية.
والمعنى: مثل مشركي مكة في كفرهم وعنادهم وما انتهى إِليه أَمرهم من القتل والفتح والإِذلال والإِهلاك كمثل الأُمم السابقة عليهم القريبة العهد منهم خاصموا رسلهم، وعادوا أَنبياءَهم، وعارضوا دعواتهم فنالوا سوءَ جزائهم وذاقوا وبال عصيانهم، ولقوا النكال الشديد والهوان البليغ في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب وجع، مفرق في الأَلم لا يقادر قدره.
والمثل الثاني في قوله - تعالى -: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ... ) الآية.
والمعنى: مثل المنافقين في وعودهم لليهود، وإِغرائهم لهم بالتمرد وعصيان المؤمنين، ومعارضتهم ثم تخلفهم عنهم كمثل الشيطان إِذ يوسوس للإنسان بالشر، ويزين له المعصية ويجب إِليه الفسوق والكفر؛ ولا يزال به حتى يقع فيما يريده منه فإِذا سقط ابتعد عنه، وتبرأَ منه ومن فعله، وظهر بمظهر الورع الخائف من الله النادم على عصيانه الذي يخاف عذابه ويرجو ثوابه، أَو يقول ذلك في الآخرة، وحمل الشيطان على الجنس هو الأَنسب.
وما ذهب إِليه بعض المفسرين من أَن المراد بالإِنسان أَبو جهل والحوار الذي جرى يوم بدر من قوله - تعالى - على لسان الكفر: ﴿لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ﴾ (١)، وقوله تعالى - على لسان إبليس: ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ﴾. (٢) فهذا تخصيص لا ينهض عليه دليل، ولا يعين عليه النص.
١٧ - ﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (١٧)﴾:
أَي: فكان عاقبة الشيطان والفريقين اللذين أَغراهما من اليهود والمنافقين أَنهم جميعًا إِلي النار وفي النار خالدين مخلدين فيها أَبد الآبدين ودهر الداهرين، وذلك الجزاءُ نهاية كل ظالم، وعاقبة كل طاغية متجاوز لحدود الله، خارج عن طاعته ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.

(١) سورة الأنفال من الآية ٤٨.
(٢) سورة الأنفال من الآية: ٤٨.


الصفحة التالية
Icon