والمعنى: هو الله وحده لا يشاركه غيره ولاَ إِلهَ إِلاَ هُو المحيط بعلم جميع الأَشياء ما غاب منها عن الحس وجهلت معرفته وما حضر وشوهد وتحققت معرفته، لا يغيب عنه من ذلك شيءٌ ولا يعزب عن علمه قريب أَو بعيد، ولا يحرم فضله عاجز ولا قادر، هو الرحمن الذي تنتظم رحمته في الدنيا جميع المخلوقات، الرحيم الذي يختص برحمته في الآخرة من يشاءُ من أَهل الطاعات الصالحات.
وتقدم الغيب على الشهادة في الآية لتقدمه في الوجود وتعلق العلم القديم به، ولأَن علم الغيب ممَّا يدق ويخفي فتقدمه في الإِخبار أَبعث للتنبيه والاعتبار.
٢٣ - ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣)﴾:
تكرر بدء الآية بمثل البدءِ السابق: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَ هُوَ) لإبراز العناية والاهتمام بالتوحيد، وتلذذًا بذكر الله، وليكون لفظ الجلالة هو الأَساس والمدخل لبناءِ الأَسماءِ الأُخري عليه.
والمعنى: هو الله وحده لاَ إِلهَ إِلاَ هُوَ السيد المالك لجميع الأَشياءِ ملكًا حقيقيًّا يتصرف فيها في وجه ليس لأَحد منعه منه أَو معارضته فيه القدوس الطاهر من كل عيب وآفة ونقص، المنزه عن القبائح، الغني عن الشريك والولد، المبارك الذي تنزل البركات من عنده، السلام من كل سوءٍ وعيب، الذي ترجي عنده السلامة من كل بلاءٍ، المؤمن الذي يهب الأَمن لكل خائف ويوفر الاطمئنان لكل موهوب مقهور، ولا يظلم عنده أَحد، المصدق لنفسه ورسله - عليهم الصلاة والسلام - فيما بلغوه عنه - جلَّ وعلاَ - المهين الرقيب الحافظ لكل شيء المسيطر الذي لا يعلو عليه أَحد، العزيز القادر الذي لا يُقْهر، المنيع الذي لا يرام ولا يمتنع عليه مرام وليس كمثله شيءٌ، الجبار العظيم الشأن في الملك والسلطان الذي يذل له كل شيءٍ ولا يستحق أَن يوصف بهذا الوصف على الإِطلاق إِلَّا الله - تعالى - فإِذا أُطلق على غير الله كان في غير موضعه، وكان ذمًّا. المتكبر المستحق لصفات التعظيم، المتعالي عن كل نقص ورذيلة.