(رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ): يحتمل أَن يكون من تمام ما نقل عن إِبراهيم - عليه السلام - ومن معه من جملة التأَسي، وأَن علينا أَن نقتدي به دائما في التوكل على الله، والإِنابة إِليه وتفويض المصير والأمور كلها الله.
وتقديم المجرور لإِفادة قصر التوكل والإِنابة إِلي الله على الله وحده.
ويحتمل أَن يكون كلاما مستأنفا، لبيان مجاهدتهم لأَعداءِ الله والالتجاءِ إِليه في جميع أمورهم لا سيما في مدافعة الكفرة، وكفاية شرورهم كما ينطق بذلك قوله - تعالى: (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً.... ) الآية.
٥ - ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥)﴾:
أَي: نسأَلك يا ربنا وندعوك ضارعين أَلَّا تسلط علينا الذين كفروا فيفتنونا بإغراءات أَو عذاب لا نطيقه يقهرنا، واغفر لنا ما فرط منا، ربنا إِنك أَنت العزيز الغالب الذي لا يذل من التجأَ إِليه، ولا يخيب رجاءُ من توكل عليه، الحكيم الذي يضع الأُمور في مواقعها، ولا يفعل إِلا عن حكمة بالغة.
٦ - ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦)﴾:
أُعيد طلب التأَسي للمبالغة في الحث على الاقتداءِ به - عليه السلام - والتأَسي بمناقبه وبيان أَنه السلوك المستقيم، ولذلك صدر بالقسم وذيل بقوله: (لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) بدل (لكم) للإِيذان بأَن من يؤمن بالله واليوم الآخر لا يترك هذا الاقتداء، وأَن ترك الاقتداء بهم من مخايل عدم الإِيمان بهما - كما ينبيء عن ذلك قوله - تعالى -: (وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي: ومن يعرض عن الاقتداءِ والتأَسي بهم فقد باعد بينه وبين الله، وحرم نفسه فضله ورحمته والله هو الغني عن كل شيء، المحمود بكل لسان، والله أَعلم.